متألقا بالفكر النقدي ومتشبتا بحس الدعابة، فاز الكاتب المتحدر من برشلونة إدواردو ميندوزا (مواليد 1943) بجائزة “أميرة أستورياس” للأدب، وهي واحدة من كبرى الجوائز المرموقة في العالم الناطق بالإسبانية، لقدرته على “تزويد القراء بالسعادة”، بحسب لجنة التحكيم.

ميندوزا مؤلّف لعمل أدبي ينطوي على فكاهة وسخرية لاذعة، ويصوّر المجتمع الإسباني في حقبة تحول، وسبق أن حصل عام 2016 على جائزة “سيرفانتس” التي تُعد بمثابة نوبل في الأدب الإسباني.

ولا يتردد ميندوزا في تعرية التناقضات الاجتماعية والسياسية من خلال شخصيات غريبة الأطوار وحبكات لا تخلو من العبث المدروس. وغالبًا ما تتخذ أعماله طابعًا روائيا بوليسيًّا هزليا في قلب مدينته الحبيبة برشلونة، التي تتحول بين يديه إلى مسرح رمزي يعكس تحولات إسبانيا الحديثة، وقد أشار في أكثر من مناسبة إلى أن الفكاهة ليست تسلية فحسب، بل “أداة تفكير نقدي حادة”.

عجائب وغرائبيات

من أبرز أعماله “مدينة العجائب” (La Ciudad de los Prodigios)، التي تعد واحدة من أعمدة الأدب الكتالوني المعاصر، إذ تناول فيها التحولات الحضرية والاجتماعية العميقة التي شهدتها برشلونة بين المعرضين العالميين لعامي 1888 و1929. وقد اعتبرها النقاد ملحمة مدنية تمزج بين الرواية التاريخية والحس الساخر بأسلوب بصري وروائي متين.

نُشر أول عمل له “الحقيقة بشأن قضية سافولتا” عام 1975، أي قبل 50 عاما. واعتُبر هذا الكتاب أول رواية في الفترة الانتقالية، وهي المرحلة التي أعقبت وفاة الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو (1936-1975)، وشكّلت الرواية انطلاقة في المطالعة لدى عدد كبير من المراهقين الإسبان كونها أول رواية تكسر التقاليد الرسمية الخانقة لعهد فرانكو، وقد نُشرت بعد وفاته مباشرة، حاملة بين سطورها رمزية الانعتاق من سلطة الرقابة والجمود. ومع هذه الرواية أيضا بزغ نجم ميندوزا بوصفه واحدا من الكتّاب الذين واكبوا التحول الديمقراطي في إسبانيا عبر الأدب.

وفي أعمال مثل “لغز القبو المسكون” و”لا أخبار من غورب”، وهي رواية عن كائن فضائي يحاول فهم البشر في برشلونة قبل دورة الألعاب الأولمبية عام 1992، قدّم ميندوزا نوعًا أدبيا فريدًا من أدب الغرائبية الهزلية، متجاوزا النمط الواقعي لصالح تأملات فلسفية مستترة في سياق مغامرات ساخرة، بطلتها شخصية مغمورة لا اسم لها سوى “المحقق المجنون”، الذي يتحول إلى عدسة مجهرية لرؤية تناقضات المجتمع الحديث.

وقال إدواردو ميندوزا في مؤتمر صحفي في برشلونة إن هذه الجائزة “تمنح شعورا بالرضا”. وأضاف “أتت بعد مرور 50 عاما بالتمام على نشر روايتي الأولى (..) لم يتم نسياني، وهذا أمر جميل جدا”.

ودائما ما حقق إنتاجه الغزير، الذي يتضمّن روايات ومسرحيات ومقالات، نجاحا شعبيا كبيرا.

وبعد أن أصبح مرجعا في الأدب الساخر، بدأ ميندوزا يركز على نوع أدبي جديد نجح من خلاله في الحصول على متابعين. وقال اليوم الأربعاء “أعتقد أن كثيرين من بعدي قد أقدموا على هذه الخطوة الجريئة، واليوم لدينا نخبة من الأدب الفكاهي المحترم. المهم في الفكاهة هو الحفاظ على مستوى معين”.

تأسست جوائز “أميرة أستورياس” عام 1981، وتكافئ أيضا شخصيات في مجالات العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والتعاون الدولي والرياضة. ويحصل الفائزون بالجوائز على 56 ألف دولار.

تحمل الجوائز اسم لقب وريثة العرش الإسباني الأميرة ليونور، التي ستمنح المكافآت رسميا للفائزين مع والديها الملكين فيليبي السادس وليتيزيا، خلال حفلة في أوفييدو (شمال شرق) في أكتوبر/تشرين الأول، ومن أبرز الفائزين السابقين في فرع الأدب: ماريو فارغاس يوسا، وأومبرتو إيكو، وأني إيرنو، وبول أوستر، وإيمري كيرتيس.

اترك تعليقاً