المناطق_واس
في قرية العزيزة بمركز السودة غرب مدينة أبها، تقف قصور آل أبو سراح التاريخية شامخة على مساحةٍ تتجاوز 3 آلاف متر مربع، لتُشكّل اليوم أحد أبرز المعالم السياحية والثقافية في منطقة عسير، ومقصدًا متجددًا لعشاق التراث والطبيعة والفنون، حيث يعود تاريخ بنائها إلى القرن التاسع عشر، إذ شُيّدت نحو عام 1835م، وتتميّز بتصميمها المعماري المستلهم من خامات البيئة المحلية، كالحجر وخشب العرعر المغطى بمادة “القضاض”، التي تُعزّز من متانة البناء وجماله.
وتتكوّن القصور من 3 مبانٍ رئيسة، هي: قصر وازع، وقصر عزيز، وحصن المصلى، بارتفاعات تصل إلى ستة طوابق، وبتوزيع داخلي يعكس فن العمارة التقليدية واستخدامات الأدوار المتعددة، مثل غرف المؤن، والمصلّى، والمرافق المخصصة لاستقبال الضيوف.
وبعد إعادة ترميمها في أواخر عام 2016م، أصبحت القصور أحد أبرز معالم السياحة التراثية في عسير، ليس فقط بجمالها المعماري وإطلالاتها على مرتفعات السودة، بل أيضًا كمركزٍ حيوي للفنون والفعاليات الثقافية، حيث استضافت العديد من الأنشطة، من بينها: فعاليات القط العسيري، ومهرجان قمم الدولي للفنون الأدائية الجبلية، وفعاليات مع هيئة الأدب والنشر، وهيئة التراث، وهيئة فنون العمارة والتصميم، إضافة إلى المؤتمرات الحكومية.
وضمن فعاليات صيف عسير 2025، وبما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في إبراز المكنوز الثقافي والتراثي للمملكة، تواصل قصور آل أبو سراح التاريخية فتح أبوابها للزوار، مقدّمة تجربة نوعية متكاملة تنقل الزائر في رحلة عبر الزمن، تبدأ بجولات تاريخية داخل القصور العريقة التي يتجاوز عمرها 200 عام، وتُروى خلالها قصص الإنسان في منطقة عسير، بدءًا من حياة الأجداد، ومرورًا بتفاصيل العمارة، وانتهاءً بملامح الحياة اليومية في ذلك الزمن، وتشمل الجولة عرضًا لمجموعة من المقتنيات التاريخية والصور النادرة.
وأوضح المشرف العام على قصور آل أبو سراح التاريخية عبدالعزيز أبو سراح، أنه تم تجهيز الساحات المحيطة بالقصور بمجموعة من الأركان المتنوعة التي تضم خيارات من المقاهي والمطاعم، تُقدّم أطعمة ومشروبات مستوحاة من المطبخ العسيري الأصيل، في أجواء تعكس الطابع المعماري والتراثي للمنطقة، مبينًا أنه خُصّص هذا الموسم ركن متكامل للأطفال، يقدم برامج ثقافية وترفيهية ذات طابع تعليمي، تشمل ورشًا تفاعلية، وقصصًا تراثية مبسطة، وأنشطة فنية تهدف إلى غرس القيم الثقافية وتعريف النشء بتاريخ المنطقة بأسلوب مشوّق.
وتماشيًا مع إعلان وزارة الثقافة هذا العام عامًا للحرف اليدوية، حرصت إدارة القصور على دعم الفنون التقليدية، من خلال تفعيل ورش العمل التفاعلية لفن القط العسيري، وتقديم العروض الحيّة لأعمال الحرفيين المحليين، ما يمنح الزوّار فرصة فريدة للتفاعل المباشر مع الحرف وتجربة الفنون التراثية بأنفسهم.
وشهدت القصور خلال السنوات الماضية إقبالًا لافتًا من الزوار من داخل المملكة وخارجها، من بينهم سفراء الدول المعتمدون لدى المملكة، الذين عبّروا عن دهشتهم بجمال القصور التاريخية وموقعها الإستراتيجي على قمم جبال السودة غرب مدينة أبها، وبالحكايات الإنسانية التي يحملها المكان، وتلك المدرجات الزراعية الخضراء التي تمزج بين التراث والطبيعة.
وتعمل إدارة القصور من خلال هذه المبادرات على تحويل الموقع إلى منصة حيوية للثقافة والسياحة المستدامة، تواكب تطلعات الزوار، وتُسهم في تعزيز مكانة عسير كوجهة ثقافية بارزة على خارطة المملكة، حيث يلتقي جمال الطبيعة بعبق التاريخ، وتُقدَّم تجربة أصيلة تستحضر روح الماضي في قلب الحاضر.