سجل المؤلف العُماني زهران القاسمي إنجازا عالميا يضاف إلى الإنجازات العالمية للأدب في سلطنة عمان، وذلك بعد فوز روايته “تغريبة القافر” بالجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2023، وتحاكي الرواية البيئة العُمانية وتفاصيلها بصورة إبداعية، فتوثق حياة الإنسان العُماني ببيئته، والحياة في القرية العُمانية، وارتباط الإنسان العُماني بالأفلاج كنظام للري.
وصدرت رواية “تغريبة القافر” في عام 2021، وللكاتب زهران القاسمي مؤلفات أخرى، فهو شاعر وروائي صدرت له رواية “جبل الشوع”، ورواية “القناص”، ورواية “جوع العسل”، بالإضافة إلى 10 دواوين شعرية وقصص قصيرة.
أحداث “تغريبة القافر” -التي تتنوع بين الواقعي والتاريخي والأسطوري- تدور في قرية عُمانية، وتروي قصة سالم بن عبد الله أحد مقتفي أثر الماء الذي تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية، ويتساءل الكاتب في الرواية “ماذا لو أن هذه المادة التي تمنح الحياة للكائنات هي مصدر لموتها أيضا من خلال ندرتها أو فيضانها؟”.
وضمن أحداث الرواية تستعين القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية بسالم بن عبد الله، وحياته منذ ولادته مرتبطة بالماء، فأمه ماتت غرقا، ووالده طُمر تحت قناة أحد الأفلاج حيث انهار عليه السقف، وينتهي سجينا في قناة أخرى ليبقى هناك يقاوم للبقاء حيا، والأفلاج نظام فلاحي لري البساتين مرتبط بالحياة القروية في عُمان ارتباطا وثيقا، ودارت حوله الحكايات والأساطير.
ووصف بعض النقاد الرواية بأنها قصة تعاش وعصية على النسيان، وأشادوا بلغة الروائي المستقاة من بيئته المحلية وقدرته على تخليد الذاكرة المحلية ببراعة.
وحاورت الجزيرة نت الكاتب زهران القاسمي لتقترب من الحياة في القرية العُمانية وتفاصيلها كما جاءت في حيوات وشخوص روايته:
-
سجل الأدب العُماني حضورا قويا عربيا وعالميا بروايات مثل “سيدات القمر” لجوخة الحارثي بجائزة البوكر العالمية، و”دلشاد” لبشرى خلفان بجائزة كتارا للرواية، و”تغريبة القافر” لزهران القاسمي بالجائزة العالمية الرواية العربية.. كيف ترى ذلك؟
يفترض أن يكون ذلك طبيعيا، فنحن في سلطنة عمان لسنا بمنأى عن الحركة الأدبية والثقافية في العالم وفي العالم العربي، لسنا في جزيرة معزولة عن التلقي، نحن نكتب ونعيش ونجرب ونبدع ونفشل ونيأس مثلنا مثل غيرنا.
لكن لكوننا غير منظورين من قبل، ولكون الجوائز أحدثت تلك الالتفاتة لأدبنا الحديث فلذلك دائما ما نسأل هذا السؤال، لكن يوجد لدينا أدب يستحق القراءة حتى قبل وجودنا في قوائم الجوائز.
-
لفت نظرنا أن الروايات العُمانية الفائزة بالجوائز غالبا ما تنطلق من قصص وثيمات محلية، وغالبا ما تدور أحداثها في القرية القديمة، هل البيئة المحلية هي سر التميز والانتشار عالميا؟ وهل الخصوصية والبيئة المحلية هي وقود الانطلاقة للعالمية؟
قد يكون ذلك، لذا عندما ننظر إلى الأدب العالمي نجده انطلق من محليته ولم يكتب عن النقاط البعيدة التي لا تعنيه، الأدب مرآة لما يعيشه الإنسان في واقعه، مرآة تظهر غير المكشوف في وسائل التواصل والإعلام، لذلك يمكن القول: نعم خصوصية المكان وثقافته هما نوع من التميز الذي يجعل الآخر يلتفت إلينا بغرابة أحيانا وبشغف أحيانا أخرى لاكتشاف هذا المكان الذي قرأ عنه.
-
أدخلت القراء في سردية عالم مائي جديد عليهم، عالم الأفلاج وحفرها والحكايات والأساطير المتداولة حولها، كيف استلهمت فكرة وشخصية سالم بن عبد الله القافر؟ وكيف رويت تراث القرى العُمانية بقصة الماء الذي يدور حوله السكان: تاريخهم، وقراهم، وزروعهم، ودوابهم، ورخاؤهم، وقحلهم، وأمثالهم الشعبية، وشعائرهم الدينية، وحتى أفراحهم وأتراحهم؟
مرت القرى العُمانية في تاريخها بفترات رخاء وخصب امتدت فيها وربت وأنبتت كل شيء يجعل الإنسان مستقرا في أرضه، ثم مرت سنوات عجاف مات فيها بشر وحيوانات وقرى كثيرة هاجر أهلها عنها ولم تقم لها قائمة بعد ذلك.
من هذا المنطلق جاءت فكرة الرواية وأهمية الماء ليكون المحرك الرئيسي للحكاية داخل النص، فنحن في سلطنة عمان ندرك ارتباطنا الكبير بالماء وأهمية الأفلاج، لذلك بحثت في تاريخ وجود هذه الأفلاج وأساطيرها وحكاياتها، والحقيقة كان هناك الكثير من المادة المعرفية والمعلومات التي جمعتها لتفيدني في كتابة العمل، وأنا أدرك الثراء الكبير من الثقافة الشفاهية المنقولة لدينا والتي تحتاج للاستفادة منها، وتوظيف مختلف القوالب الأدبية لنشرها ونقلها وحفظها للأجيال القادمة.
إن كانت العادات والتقاليد تبدو قاسية إلا أن الحب مثل الماء يجد طريقه بسهولة جدا ولا يمكن حبسه
-
حضر الريف العُماني في رواية “تغريبة القافر” بشدة، لكن الشخصية النسائية محدودة في الرواية نوعا ما، والحب متوارٍ في القرية على ما يبدو.. كيف ترى ذلك؟
على العكس تماما، المرأة هي التي تسيطر على زمام الأمور، لا أعرف كيف ينظر الآخر لدور المرأة في القرى، لكنني أجد أنه دور رئيسي في بناء المجتمع القروي، بما فيه الحب، فإن كانت العادات والتقاليد تبدو قاسية إلا أن الحب مثل الماء يجد طريقه بسهولة جدا ولا يمكن حبسه.
-
حققت لغة “تغريبة القافر” تقاربا مدهشا بين القارئ العربي واللهجة العُمانية، ورغم أنها بدت رواية واقعية وتاريخية فإن الغرائبية والعجائبية حاضرتان فيها بقوة، هل نحن أمام واقعية سحرية عربية جديدة؟
دائما يخلط الناس بين غرائبية النص وبين ثقافة الشخوص في الرواية، وفي نظري لا توجد غرائبية في الرواية، هي منبسطة على واقعية تامة، ولكن لأن الموضوع جديد على القارئ وقع في فخ أنه يقرأ هذا الواقع لأول مرة فيجده غريبا، قد تكون واقعية سحرية ولم لا، نحن نحتاج إلى الخروج من أزمة الواقع السياسي والتاريخي الذي ضخ في الأدب وتأزم به.
-
بين خرير الماء وحرارة الرمال بنى “الراوي العليم” السرد المشوق في خط زمني تصاعدي يجري بين عروق الأرض ومنابت الماء وباغتته الأحداث والأوصاف.. فلم اخترت تلك التقنية السردية لسرد الحكاية؟
جربت الكثير من التقنيات، ولكن لم أقتنع بها، فوجدت أن السارد العليم هو الأقرب لنحت العمل، بل هو هنا أقرب إلى أحد الحكائين القرويين من كونه ساردا عليما، فهو رغم أنه يدرك التفاصيل فإنه لا يذكر منها إلا ما تحتاج إليه الرواية ولا يتعمق فيها كثيرا.
-
هل ترى الرواية العربية الحديثة محبوسة في “فلج” التكرار والتقليد؟ ولماذا لا تحضر عوالم التنوع والثراء العربي مثل عالمي الصحراء والقرية اللذين وظفتهما في روايتك في الرواية العربية؟
منذ ستينيات القرن الماضي وقع الأدب العربي تحت سطوة الحركة القومية التي أثرت على مساره، كان كل ما يكتب ويترجم يخدم تلك الحركة، وبالتالي أغفل الكثير عن الأدب الإنساني الذي يهتم بالإنسان البسيط وعوالمه وحياته وفلسفته، هذا الشرك الكبير استطاع القليل من الكتاب الخروج منه، ولكن أعتقد أنه آن الأوان ليعود الإنسان إلى ذاته ويقف أمام مرآة الكتابة ليرى وجهه الحقيقي بعيدا عن الشعارات الكبيرة التي لا تعني له شيئا ولا تحرك ساكنا.
-
في عالم عربي وشرق أوسطي يعاني من فقر الماء كيف يمكن للماء الذي هو أصل الحياة أن يصبح سرا للموت، فكما تنهض به بلاد وتنتعش أرواح له يمكن أن يبتلع أخرى ويغيبها؟ وكيف يمكن للأديب أن يعكس قضايا أمته في العمل الروائي؟
في السنوات الماضية بدأ يخرج إلى السطح مصطلح سياسي هو حروب الماء، وبدأت الأزمات بين الدول تنمو بسبب فكرة استغلال هذا المورد الطبيعي، نعم قد يتسبب ذلك في حروب كبيرة وقد يمتد الجفاف ليقضي على قطعة كبيرة من الحياة، ومعلوم ما يسببه الاحتباس الحراري مؤخرا من تغير في المناخ العام للعالم، مما تسبب في جفاف كبير بمناطق عديدة في العالم وأيضا فيضانات شديدة وأعاصير في مناطق أخرى، وبذلك صار هذا الماء الذي هو أصل الحياة وسيلة للموت غرقا أو عطشا.
-
قمت بتمويه زمن الرواية لكنك اخترت مكانا حقيقيا مسرحا للحكاية وهو “المسفاة” في ولاية قريات التابعة لمحافظة مسقط، فلماذا فعلت ذلك؟ أفشِ للقراء بعض أسرار المكان والزمان والسرد في أعمالك الأدبية.
ليس هناك مكان محدد في الرواية، فكل قرية عُمانية هي قرية المسفاة، وهناك عدة قرى في سلطنة عمان تحمل الاسم ذاته، والمسفاة تطلق عادة على القرى التي تتوفر فيها المياه على مدار العام دون انقطاع، أما الزمن فهو زمن نسبي قد يحدث في أي لحظة ممتدة منذ القدم وحتى عصرنا الحديث.