الدوحة– قبل نحو 13 عاما وتحديدا في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2010، اتجهت أنظار العالم إلى مدينة زيورخ السويسرية حيث أعلن سيب بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) آنذاك، فوز قطر بتنظيم بطولة 2022 لكرة القدم، ومنذ ذلك الحين تعرضت دولة قطر لعديد من حملات التشويه، في مسعى لإقصائها عن تنظيم الاستحقاق العالمي لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط.
حملات الهجوم على قطر امتدت منذ ذلك الحين وحتى أسابيع قليلة من تنظيم البطولة العام الماضي من دون أي مبرر واضح إلا التحيز ضد كل ما هو عربي وإسلامي، خاصة أن الملف القطري استطاع الإطاحة بملفات دول كبيرة كانت تعتبر فوزها مضمونا، مثل الولايات المتحدة.
وفي رصد لبعض الهجمات الإعلامية في وسائل إعلام غربية، تم تدشين كتاب “اللعبة.. مونديال قطر أكثر من كرة قدم”، للكاتب إبراهيم بدوي محرر الشؤون الدولية في صحيفة الراية القطرية، القائم على دراسة للماجستير بجامعة حمد بن خليفة حول العلاقة بين الإعلام والسياسات العامة بعنوان: “صورة قطر في الصحافة الغربية بعد فوزها باستضافة كأس العالم 2022” في الفترة من نهاية عام 2009 إلى نهاية عام 2015.
ويوثق الكتاب أبرز السرديات الغربية في صحيفتي “غارديان” (The Guardian) البريطانية و”واشنطن بوست” (The Washington Post) الأميركية عن دولة قطر من قبل فوزها بالاستضافة وحتى تنظيمها الباهر للبطولة، كما يرصد بالأرقام والأخبار الموثقة اتجاهات التغطية الغربيَّة التي اتسمت بالسلبية وإثارة الجدل والأفكار المسبقة ضد أول دولة عربية مسلمة تفوز بشرف استضافة هذا الحدث العالمي الكبير.
دور الإعلام في إبراز القضايا
وأكد المؤلف أن الكتاب، الذي تم تدشينه برعاية رئيس رابطة رجال الأعمال القطريين الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، وحضور وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية حمد بن عبد العزيز الكواري، وسفراء ورؤساء بعثات دول مصر والمغرب والجزائر وفلسطين وكازاخستان، يهدف للتعرف على كيفية صناعة الصحف والإعلام لصورة قطر سلبًا أو إيجابًا.
وأوضح أن الهدف هو فهم دور الإعلام وطريقته في إبراز قضايا من دون أخرى لجذب الاهتمام والتفاعل من القارئ والمسؤول من جهة، وأيضا من أجل تغطية غربية أكثر إنصافا لمنطقتنا العربية والشرق أوسطية من جهة أخرى.
وأكد المؤلف -في حديث للجزيرة نت- أن الإعلام قادر على حفر صورة الدول والأحداث في أذهان الجماهير، فتبقى راسخة وربما عصية على التغيير، فأميركا هي “أرض الأحلام”، وباريس “مدينة النور”، والشرق الأوسط “أرض النزاعات والتدمير”.
الإعلام يرسم الصور الذهنية للإنسان
وأوضح بدوي أن خبراء الإعلام يعتقدون أن 70% من الصور التي يبنيها الإنسان للعالم مستمدة من وسائل الإعلام، عبر تعرضه المتكرر لرسائل وصور إعلامية معينة، مثل صورة العرب والمسلمين في أغلب وسائل الإعلام الغربية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ووصم العالم العربي والإسلامي كله بالإرهاب.
ويرصد الكتاب، وفقا لتصريحات المؤلف، حجم التحديات والأشواك التي امتلأ بها طريق قطر، قبل أن تجلب الكأس الذهبية لأول مرة إلى منطقتنا العربية والشرق أوسطية، وتحول الحلم إلى حقيقة نابضة بالحياة، مؤكدا أن دولة قطر لم ترهن أحلامها بحجمها الجغرافي وعدد السكان، فكانت رؤيتها أبعد وإرادتها أقوى وإيمانها أعمق.
وأشار إلى أنه أراد بأسلوب علمي معرفة اتجاهات التغطية الصحفية في اثنتين من كبرى الصحف المؤثرة عالميا، وهما غارديان وواشنطن بوست، وذلك بتحليل مضمون المواد الصحفية المتعلقة بدولة قطر واستضافتها للبطولة وتطبيق نظريتي التأطير (framing)، ووضع الأجندة (Agenda Setting) وهي نظريات إعلامية توضح باختصار كيفية إبراز الصحف لموضوعات وتجاهل أخرى أو تقديم صورة محددة للواقع كما تراه الصحيفة، فلا يرى المتلقي إلا ما تريده هذه الصحيفة.
تغطيات صحفية سلبية عن قطر
ويبرز الكتاب أن أغلب اتجاهات التغطيات الصحفية عن مونديال قطر كانت سلبية بنسبة تصل إلى نحو 50%، ومحايدة بـ28% وإيجابية بـ22%، مؤكدا أن بعض التفاصيل تفيض بالتحيز والعنصرية والازدواجية، خاصة مع قناعة بعض وسائل الإعلام الغربية بأنها لا تغطي الأخبار، بل تصنعها.
وأضاف الكاتب أنه رغم تكرار حملات غربية دعائية واندلاع حروب بلا رصاص ضد استضافة قطر للمونديال، فإن قطر نظمت بطولة استثنائية أثبتت بها أن العرب لا يعيشون على هامش العالم، ويبادلون الجميع حبا بحب، وسلاما بسلام، واحتراما باحترام.
وثيقة تاريخية للمونديال
وخلال حفل التدشين، أوضح وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية حمد الكواري أن الكتاب يعد وثيقة تاريخية لرصد الحملات الإعلامية الظالمة التي تعرضت لها دولة قطر لتنظيمها مونديال 2022، والذي استطاعت من خلاله أن تثبت ثقتها بنفسها وقوة إرادتها ووضوح الصورة لدى قيادتها لتمثيل العرب بهذه الصورة المشرفة.
وتابع أنه بالعودة إلى الوراء لسنوات نجد أن قطر خطت مسارا يعبر عن إرادة لا تلين من خلال الترشح للاستضافة، وتقديم ملف أبهر العالم، ونافست خلاله دول قوية لها تأثير عالمي، واستطاعت قطر النجاح والفوز بالترشيح، ومن ثم إبهار العالم ببطولة استثنائية لمونديال 2022.
وأوضح أن “الجميع تابع الحملات الظالمة ضد قطر ولكننا لم نكن متفاجئين من هذه الحملات التي تحولت إلى جزء من الماضي، وثبت خطأ من وراءها وسيقف التاريخ مطولا أمام مونديال قطر الذي أكد الخبراء أنه لن يتكرر، خاصة إذا علمنا أن البطولة المقبلة ستكون في 3 دول، ومن ثم فما حدث في قطر لن تستطيع دولة أن تكرره”.
وفي تصريح للجزيرة نت، أكد رئيس مكتبة قطر الوطنية أنه سيقوم بتدشين كتاب من تأليفه قريبا، وسيتم تدشينه في معرض الدوحة الدولي للكتاب، وهو يركز أيضا على مونديال قطر، موضحا في الوقت نفسه أنه زار عديدا من دول أوروبا بعد المونديال، ولمس كيف كان هناك تغير للمواقف تجاه العرب بسبب نجاح تنظيم المونديال؛ وهو ما يعد أمرا إيجابيا لقطر وللعرب والمنطقة بأسرها، وكيف يمكن أن نغير الصورة النمطية في عقول الآخرين عن منطقة ودول لا يعلمون عنها شيئا.