الدوحة- أكد الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات في مجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد العزيز حمد العويشق، أن موافقة إيران على المبادئ والأسس الحاكمة للحوار والعلاقات بين دول المنطقة، ومناقشة كافة القضايا العالقة بين الجانبين دون استثناء، بما في ذلك القضايا الحدودية والملف النووي، ستحقق نقلة نوعية في الحوار.
ونظّم مركز الجزيرة للدراسات، بالتعاون مع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، الدورة الثانية من “الحوار العربي الإيراني” على مدار 3 أيام، بهدف التوصل لتقارب مشترك في وجهات النظر بشأن “النموذج الأمني الأنسب للعلاقات العربية الإيرانية”، مع الأخذ في الحسبان تداعيات الأزمات والصراعات التي نشبت بالمنطقة على مدى السنوات الماضية.
وفي مقابلة للجزيرة نت، قال العويشق إن المشاركين الإيرانيين في هذه الدورة من الحوار وافقوا على مناقشة الملف النووي مع دول مجلس التعاون، سواء مباشرة أو من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يعد بادرة إيجابية وتطورا ملموسا في الحوار العربي الإيراني، معتبرا أن أسس نجاح هذا الحوار يجب أن تبنى على وجود أرضية مشتركة وقبول متبادل لقواعد ومواضيع الحوار.
وفيما يلي نص الحوار:
كيف ترى تنظيم الدورة الثانية من الحوار العربي الإيراني بدولة قطر؟
اختيار توقيت إقامة الدورة كان جيدا، حيث جاءت بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية بجدة في 18 مايو/أيار، إذ أصبحت الرؤية أكثر وضوحا حيال العلاقات العربية الإيرانية، وبعد الاجتماعين اللذين عقدا بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية الإسلامية برعاية جمهورية الصين الشعبية في بكين بين 10 مارس/آذار و6 أبريل/نيسان، حيث أسهم قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران في تقريب بعض وجهات النظر والرغبة في التوصل إلى تفاهمات حول بعض القضايا.
ما أبرز الإيجابيات التي شهدتها جلسات الحوار العربي الإيراني؟
جلسات الحوار أسفرت عن تطور ملموس في الحوار العربي الإيراني، حيث توصل المتحدثون بعد فترة طويلة من النقاش الحاد إلى ترحيب الجانب الإيراني بمناقشة ملفه النووي مع دول الخليج، بعدما قال الأمين العام للمجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران عباس عراقجي “إنه ليس لدى طهران مانع في مناقشة ملفها النووي مع دول الخليج سواء مباشرة أو من خلال منظمة الطاقة الذرية”، وهو بمثابة تطور مهم يجب البناء عليه، خاصة أن إيران في الماضي كانت ترفض مناقشة هذا الملف تماما.
ما أهم الملفات العالقة بين دول الخليج وإيران؟
هناك الكثير من الملفات العالقة، فدول الخليج لا توافق على استمرار التدخلات الأجنبية في شؤون الدول العربية، بما في ذلك تدخلات إيران، من خلال المليشيات والتنظيمات المسلحة ذات الطابع المذهبي أو العرقي، والتي أدت إلى تعطيل أو عرقلة العملية السياسية في عدد من الدول العربية، وترى أن تترك إدارة شؤون هذه الدول لقادتها ومواطنيها، ونأمل أن تقوم إيران بدورها في تطبيق المبادئ التي وافقت عليها في بيان بكين.
كما أن هناك نقطة خلافية أخرى ستأخذ وقتا في الحوار، وهي قضية دور المجتمع الدولي في المنطقة، حيث لا ترغب إيران في وجود أي دور للمجتمع الدولي بالمنطقة، بينما نحن نرى أن هناك دورا ممكنا للمجتمع الدولي بما يتوافق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وذلك من خلال حماية الممرات المائية ومكافحة القرصنة والجريمة المنظمة، وتهريب السلاح.
هل الأجواء السياسية الإيجابية في المنطقة تبشر بالتوصل إلى تفاهمات؟
أعتقد أن الأجواء الآن مهيأة لإنجاح الحوار العربي الإيراني، خاصة أن التقارب السعودي الإيراني مهّد الطريق وقطع شوطا مهما، عبر البيان الذي صدر بين السعودية وإيران في مارس/آذار الماضي، والذي ذكر بعض الأسس المتفق عليها من البلدين، فضلا عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وقد أعلن الجانبان -في البيان- موافقتهما على أمرين مهمين:
الأول: هو التأكيد على احترام سيادة الدول، والذي يعني احترام حدودها ووحدتها الوطنية ووحدة ترابها واستقلالها السياسي.
أما الأمر الثاني: فهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والذي يعني عدم استخدام الخلافات الدينية والمذهبية داخل الدول لأغراض سياسية وعدم تأجيج أو تحريض الخلافات المذهبية وعدم استخدام الدين كجزء من وسائل السياسة الخارجية.
وهاتان النقطتان من أهم القضايا التي كانت تعوق التقدم في الحوار مع إيران، ولهذا فإن موافقة إيران عليهما مبدئيا تعد بادرة إيجابية وخطوة في الاتجاه الصحيح لإنجاح الحوار، ولكن قد يحدث الخلاف عند البدء في تطبيق هذه البنود، وهو ما يتطلب مواصلة الحوار حول تطبيقها.
ما أهم المعوقات التي شهدتها جلسات الحوار العربي الإيراني؟
النقطة الأساسية التي تعيق الحوار العربي الإيراني دائما ويجب تجنبها، هي استعادة أو اجترار التاريخ والأحداث التي وقعت في الماضي، فكل طرف لديه رواية معينة قد تكون مفيدة لكتب التاريخ، ولكن في الحوار قد تؤدي إلى تعقيد التوصل إلى اتفاق، فلا بد من تثبيت القواعد المشتركة والأشياء التي نتفق فيها ونبني عليها.
وأعتقد أن إصرار بعض المشاركين من الجانب الإيراني على اجترار أحداث سابقة غير مجدية مثل الحديث عن غزو صدام حسين لإيران، وهو حدث تاريخي يمكن أن نختلف في الحكم عليه، ولكن ما هو مؤكد أنه سبقت غزو العراق لإيران إجراءات من جانب النظام الإيراني في العراق والسعودية والبحرين وتشكيل خلايا إرهابية بمطالب مذهبية مؤيدة لإيران، وشق الصف الواحد، وليست إيران بريئة كما حاول بعض المتحدثين إبراز دورها.
ولهذا فإن تصوير أن كل شيء يعود إلى غزو العراق لإيران هو تبسيط وتسطيح للتاريخ ومحاولة لتغيير مسار الحوار، فمن اليوم الأول للثورة الإيرانية كان هناك حديث عن تصدير الثورة، واتخذوا إجراءات فعلية في تدريب وتمويل شبكات إرهابية سواء في العراق أو البحرين أو السعودية.
وبالمثل بالنسبة لروايات المشاركين الإيرانيين عن طبيعة تدخلات إيران في الدول العربية، فهناك خلاف واضح بين الجانبين حول ذلك. ولهذا فإن إعادة نبش هذه المواضيع سوف يُعيق الحوار مستقبلا، والأفضل أن تكون هناك نظرة مستقبلية تركز على التوافقات الجديدة.
ما مطالب دول الخليج من إيران لإقامة علاقات طبيعية معها؟
لا شك أن الشعوب على ضفتي الخليج، تتطلع إلى أن يسود الأمن والسلام والاستقرار في الخليج والمنطقة العربية عموما، وأن تستعيد العلاقات مع إيران حيويتها وعمقها الثقافي والإنساني الذي عرفته على مدى التاريخ الطويل المشترك.
هناك قضايا في غاية الأهمية نختلف عليها، وهذا أمر طبيعي، ولكن بيننا من المصالح الاقتصادية والإستراتيجية والأواصر التاريخية والمشتركات الثقافية ما يتطلب أن نسعى إلى حل تلك الخلافات، وقد لا نتمكن من حلها جميعا، فلنتفق على إدارة ما نختلف عليه بالطرق السياسية والدبلوماسية، وفق المعايير الدولية.
ومن أجل إقامة علاقات طبيعية مع إيران لا بد من أن تكون هناك أسس تحدد هذه العلاقة، وأهمها الالتزام بالمبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، ومنها حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول، واستقلالها السياسي، ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهذه مبادئ أساسية في القانون الدولي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة.
ما أبرز القضايا التي يجب معالجتها للتوصل إلى علاقات طبيعية بين دول المنطقة وإيران؟
هي القضايا التي تضمنها بيان القمة العربية الأخيرة في 18 مايو/أيار في جدة، وبيان القمة الخليجية في ديسمبر/كانون الأول الماضي في الرياض، ويمكن تقسيمها إلى 5 مسارات رئيسية:
- المسار السياسي والدبلوماسي لمناقشة الأزمات الإقليمية، مثل فلسطين وسوريا ولبنان واليمن، بهدف تشجيع الحلول السياسية، وفق القرارات الدولية، ونبذ استخدام القوة أو التهديد بها لتحقيق الأهداف السياسية، فضلا عن الحد من الانتشار النووي وتعزيز السلامة النووية وتحقيق الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وكذلك الحد من انتشار الصواريخ والطائرات المسيّرة، خاصة إلى الأطراف غير الحكومية.
- المسار الأمني لمناقشة الإرهاب والمليشيات الطائفية والجماعات المسلحة الأخرى التي تعمل خارج إطار القانون.
- المسار الاقتصادي لمناقشة تعزيز التبادل التجاري والاستثمار بين دول المنطقة، بما في ذلك الاستثمار بالطاقة المتجددة.
- مسار الاستدامة البيئية لمناقشة إمكانيات التعاون لإعادة تأهيل البيئة البحرية للخليج، والعمل المشترك لمواجهة آثار التغير المناخي.
- المسار الثقافي، لإعادة إحياء التبادل الثقافي الثري بين العرب وإيران.
ما سبب عدم وصول الحوار العربي الإيراني خلال الفترة الماضية إلى نتائج ملموسة؟
أحد الأسباب الرئيسية في عدم التوصل إلى نتائج ملموسة في الحوار، هو عدم التوافق حول المبادئ التي يجب أن تحكم الحوار، وبالتالي العلاقات بين دول المجلس وإيران، ثم الانقسامات داخل المؤسسة الإيرانية وقتها حول هذه الأمور، وكذلك الخلاف على دور المجتمع الدولي والأمم المتحدة في حل قضايا المنطقة.
وخلال السنوات الماضية كانت هناك مخاطبات بين مجلس التعاون والحكومة الإيرانية، وحاولنا الوصول إلى أسس مقبولة من الجانبين للحوار، تليها إجراءات بناء الثقة، ومن ثم مفاوضات في القضايا العالقة.
هل هناك إمكانية للتكامل الاقتصادي والأمني بين دول الخليج وإيران؟
الإمكانية موجودة بالتأكيد، وكانت هناك رغبة مشتركة أعلن عنها في قمة مجلس التعاون الخليجي بالدوحة عام 2007 التي حضرها الرئيسي الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، وبالفعل تم التوصل إلى توصيات للدخول في مفاوضات لتأسيس منطقة تجارة حرة تجمع إيران ودول المجلس، ولكن عدم التقدم في المسار السياسي أدى إلى توقف المسار الاقتصادي، ثم توقفت المفاوضات بعدها إثر انشغال إيران لاحقا بانتخابات عام 2009 وما صاحبها من أحداث، ثم أحداث الربيع العربي التي اتخذت إيران ودول المجلس مواقف متباينة حيالها.
ولكن بلا شك أن البدء بخطوات للتكامل الاقتصادي بين دول الخليج وإيران مرتبط بالوصول إلى قاعدة مشتركة من الناحية السياسية وبدء خطوات بناء الثقة، وأهمها عدم التصعيد وخفض التوتر في كل مناطق النزاع بالمنطقة، فضلا عن توفير الثقة للمستثمرين الخليجيين في البيئة الاقتصادية والبيئة السياسية والبيئة الأمنية في إيران. والاقتصاد الإيراني الآن في وضع ضعيف لا يتناسب مع الإمكانيات الضخمة لإيران، ويمكن لإيران أن تعزز من وضعها الاقتصادي من خلال التركيز على الداخل وإصلاح الوضع الاقتصادي لاجتذاب المستثمرين.
كيف ترى تحالفا إقليميا اقتصاديا يضم دول الخليج وإيران؟
يمكن لدول المنطقة أن تلعب دورا أكبر في التجارة الدولية إذا عملت بشكل جماعي واستغلت موقعها الفريد، وبدلا من إهدار مواردها الاقتصادية على الصراعات الإقليمية وسباقات التسلح، النووي والصاروخي والتقليدي. دول مجلس التعاون تفضل أن تركز على تعزيز رخاء مواطنيها والتنمية بكافة أبعادها، الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وتحقيق التنوع الاقتصادي الضروري للاستدامة مستقبلا.
كما أن لدى إيران الكثير من المعطيات التي تمكّنها من تحقيق نتائج مشابهة، فلديها من الموارد الطبيعية والشباب الواعد والعلماء والباحثين ما يمكنها من تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بالتكامل مع جيرانها.