كركوك – أخذ جاسم أركوازي (46 عاما) على عاتقه تقريب خدمات الحلاقة من المواطنين عبر استحداث فكرة “الحلاق المتنقل”، الذي يزور زبائنه أينما كانوا، وفي الوقت الذي يناسبهم.
قرر أركوازي أن يجهز شاحنته الصغيرة المتواضعة، ويحوّلها إلى صالون رجالي متنقل من حي إلى آخر في مدينة كركوك شمالي العراق، ملبيا حاجات زبائنه الكُثُر.
صباح كلّ يوم، يبدأ الرجل رحلته بشاحنته الصغيرة التي تتحوّل -حين يفتتحها- إلى صالون أنيق مجهز بكامل معداته. يقول للجزيرة نت إنه ابتكر هذه الفكرة الفريدة لخدمة كبار السن وذوي الحاجات الخاصة غير القادرين على التنقل، أو الذين يواجهون صعوبات في السير، لكن الفكرة بدأت تستقطب الفئات الأخرى، كما يجزم.
“عملت لأكثر من 30 عاما في مهنة الحلاقة، كنت أسكن العاصمة بغداد، ثم انتقلت إلى كركوك، امتلكت صالونا، وكنت أراقب زبائني وألاحظ أن كبار السن يواجهون صعوبات كبيرة بهدف الوصول إلي، بعضهم يعاني من أمراض مزمنة، وبعضهم الآخر ليس لديه من يصطحبه، ففكّرت فيهم كثيرا”.
حل بديل للتكاليف العالية
يوضح أركوازي أنه خلال أقل من 6 أشهر تمكّن من توفير شاحنة صغيرة لمشروعه، فرمّمها وأعاد تأهيلها، مع تزويدها بشبكة كهرباء وصرف صحي. وقد عادت الفكرة عليه بالنفع، إذ بدلاً من دفع الإيجارات الشهرية للمحل والكهرباء والمياه، أصبح كل ما يحتاجه اليوم هو البنزين وخبرته، مع صوت فيروز الذي يرافقه أينما حلّ.
“احتجت إلى بعض الوقت حتى يتمكن الزبائن من الوثوق بمشروعي. حتى الذين يعرفونني تراجعوا قليلاً حينما أدركوا أني لم أعد مستقرا في مكان محدد، بل سوف آتي إلى مناطق سكناهم. ولم يصدقوا الأمر حتى شاهدوا بأنفسهم أن الشاحنة مزوّدة بأحدث الأجهزة وبالكهرباء”.
مقصٌ “في خدمة الشعب”
الطريف أن جاسم أركوازي لا يتردّد في التنقل بين المحافظات إذا تطلّب الأمر، خصوصاً إن كان من يحتاجه من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأن الأدعية التي يتلقاها منهم كافية بجعله أشد إيماناً بمشروعه، حسب قوله.
“قمت بإشهار أرقامي الخاصة على السيارة لتلقّي الاتصالات والحجز المسبق من الزبائن، لكني أشعر بأن رغبتي الملحة وقضيتي الأساسية وغايتي من الحلاقة المتنقلة هي مساعدة المرضى وكبار السن”، يقول أركوازي.
ومن المفارقات الطريفة والغريبة أن بعض الاتصالات التي يتلقاها أركوازي تكون في الفجر أو ساعات متأخرة من الليل وهو “يغط” في نوم عميق.
ويؤكد أن جزءا كبيرا من عمله جوهره هو المساعدة، فلا يتذمر أو يشعر بكسل حينما يتعامل معه الزبائن على أنه متاح 24 ساعة. وبالعكس، يحاول جاهدا حرمان نفسه من النوم والتوجّه إليهم أينما وُجِدوا.
رجل المهمات الصعبة
يرى عباس عبد الكريم، أحد زبائن أركوازي، أن حلاقه تحوّل إلى “منقذ” يمتلك شعبية كبيرة في مناطق كثيرة، وصار مطلوبا إلى درجة أنه بات يحتاجه زبائن عديدون في الوقت ذاته، لأن كثيرا من المواطنين يرتبطون بمهمات ومصالح قد لا يجدون بسببها أي وقت وفرصة للذهاب إلى الحلاق، كما أن أسعاره رمزية ومناسبة لذوي الدخل المحدود.
ويقول عبد الكريم للجزيرة نت إن “أهم ما يميّز جاسم (أركوازي) هو الالتزام بالمواعيد من دون ضغط أو تدافع أو دخول شخص مستعجل، كما يحدث في المحال الكلاسيكية. فالرجل، بسيارته المتنقلة، يمنح الآخرين شعورا بالراحة. وهذا ربما أكثر ما يحتاجه المرء”.
مهمة مفيدة للعاملين
يرى المصمم سعد نظام أن الفكرة جميلة ومبتكرة، لا سيما أن محال الحلاقة في محافظة كركوك ازدادت في السنوات الأخيرة، لكنها تقدم الخدمة ذاتها.
ويضيف “حينما علمتُ بفكرة الحلاق أركوازي، صرت وبشكل مباشر أفكر في الحالات التي تمنحني الاستفادة من خدمته، لأن معظم وقتي بصفتي مصمما يكون في المنزل. وبسبب ضغط العمل، فإنني لا أستطيع التوجه إلى حلاقي الخاص، وفكرة أن يزورني الحلاق تخلّصني من عبء كبير”.
ويوضح نظام، في حديثه للجزيرة نت، أن خدمات محافظة كركوك ومشاريعها مقتصرة على الحاجات الأساسية للمعيشة، أما التفاصيل الأخرى والمبتكرة فتكاد تكون مهملة لقلّة الطلب، واعتبارها رفاهية. “لذا فإن جاسم، يحاول سد ثغرة مهمة في حياتنا بطريقة مبتكرة”.
رأي نقابة الحلاقين
يؤكد نقيب الحلاقين والمزينين في العراق سليم عبد الحسن أن النقابة تعمل من أجل توفير المساعدة والحلاقة المستمرة لذوي الحاجات الخاصة تحديدا، وأن فكرة جاسم أركوازي -بفطرتها- كانت معونة كبيرة للنقابة وأهدافها.
ويقول للجزيرة نت “نستطيع القول إن جاسم قدّم خدمة لأبناء مدينة كركوك بفكرته هذه لأن الحلاقة جزء مهم من حياة المواطن العراقي، ونتطلع إلى رؤية الفكرة متداولة في المحافظات الأخرى، فلا غنى عن محال الحلاقة، لكن المتنقلة منها تساهم في مساعدة الفئات الخاصة والأطفال”.