جنين- “قالها في وجهي بكل تحد، وأخيرا أصبحنا معرفين على الخارطة” بهذه الكلمات بدأ جهاد عمارنة حديثه عن المواجهة التي وقعت بينه وبين المستوطن المسؤول عن مستوطنة “نوڤ” الواقعة شرق قرية ظهر العبد (جنوب غرب محافظة جنين).

وقد صادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي نحو 13 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي الزيتون المملوكة لعمارنة، وبدأت جرافات الاحتلال بشق طريق استيطاني بمحاذاتها، في خطوة تهدف لتوسيع المستوطنة واعتمادها قانونيا.

تهديد ووعيد

عام 2019، أقام أحد المستوطنين خيمة على جبل في خربة مسعود القريبة من منطقة ظهر العبد، وأحضر معه عددا من رؤوس الماشية، لتكون هذه الخيمة بداية لمستوطنة رعوية في المنطقة المطلة على الساحل الفلسطيني، والواقعة على الخط الفاصل مع أراضي عام 1948.

وخلال السنوات الست الماضية، تطورت هذه البؤرة الاستيطانية التي أطلق عليها المستوطنون اسم “نوڤ” لتستوعب 7 عائلات من المستوطنين.

ويصف عمارنة -في حديثه للجزيرة نت- اعتداءات المستوطنين المتكررة على أصحاب الأراضي من أهالي منطقة ظهر العبد، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم والعمل فيها.

ويقول “خلال موسم قطف الزيتون كنا نتعرض لهجمات المستوطنين، الذين كانوا يهاجمون الفلاحين بأسلحتهم ويهددونهم لترك الأرض بتقطيع الأشجار وتدميرها، وتسييج الأرض ومنعنا من دخولها، لكن الأسبوع الماضي تفاجأنا بجرافاتهم تشق طرقا في أراضينا، وقالوا لنا إن هذه الأرض مصادرة ويمنع دخولكم إليها”.

ربط المستوطنات

ووفق الخرائط التي وزعها جيش الاحتلال على مجلس قروي بمنطقة ظهر العبد، فإن الشارع الاستيطاني المخطط إقامته يخدم بشكل أساسي بؤرة “نوڤ” الاستيطانية الرعوية، ويقضم نحو 28 دونما من أراضي المنطقة وحدها، وتشمل المصادرات عشرات الدونمات من خربة مسعود شرقا وصولا إلى أراضي بلدة قفين التابعة لمحافظة طولكرم في المنطقة الغربية.

ويشير عمارنة إلى أنه في مرات كثيرة كان يجد المستوطنين يسبحون في برك مياه الأمطار التي شيدها أهالي القرية في حقول الزيتون، وكانوا يقولون لي “هذه مياه باركها الله ونحن نسبح فيها لنحصل على بركة الرب”.

واليوم، لم تعد عمليات المصادرة مقتصرة على الأراضي الزراعية، بل طالت برك المياه وخطوطها، وتجاوزت ذلك لتشمل أحراش بلدة قفين، في عملية واضحة لربط مستوطنات جنين بمستوطنات طولكرم.

توسعة إسرائيلية

وتأتي توسعة بؤرة “نوڤ” الرعوية ضمن خطة إسرائيلية لبناء وتوسيع 22 مستوطنة في الضفة الغربية، صادق عليها كل من الوزيرين يسرائيل كاتس وبتسلئيل سموتريتش في مايو/أيار الماضي، بهدف إحكام السيطرة على الضفة الغربية، وتشمل هذه الخطة إعادة بناء مستوطنتي “سانور” و”حومش” (جنوب جنين) اللتين تم تفكيكهما عام 2005 ضمن قرار فك الارتباط.

ويقول علي الصباح من منطقة ظهر العبد، وهو أحد المتضررين من مصادرة الأراضي، إنه فقد 16 دونما من أرضه، مضيفا أن “عمليات المصادرة والحفر جرت في يوم وليلة دون أي إنذار مسبق، وقام المستوطنون بتسييج الأراضي بالأسلاك الشائكة، واندفعوا بجرافاتهم لاقتلاع الأشجار وتجريف الطرق بحماية جيش الاحتلال”.

ويصف المواطن -في حديثه للجزيرة نت- شكل الحياة المتوقع لسكان منطقة ظهر العبد والقرى المجاورة بعد تحويل بؤرة “نوڤ” إلى مستوطنة معترف بها رسميا بالقول “نعيش في سجن حقيقي، من الجهة الغربية يخنقنا جدار الفصل العنصري الذي أقامه الاحتلال عام 2003، ومن الجهة الشرقية ستحيطنا مستوطنة نوڤ بعد توسعتها واستيعابها لأعداد جديدة من المستوطنين”. ويضيف “أرض الفلاح بمثابة شرفة، وإذا سلبت منه فلا حياة كريمة له أبدا”.

بلا دعم رسمي

ويشعر أهالي منطقة ظهر العبد وخربة مسعود بأنهم ترِكوا وحدهم في مواجهة المخططات الإسرائيلية، إذ لم يتلقوا أي دعم رسمي للصمود أمام إقامة المستوطنة على أراضيهم وانتزاعها منهم، بينما اقتصر دور المؤسسات على التوثيق فقط.

ويبلغ عدد سكان المنطقة نحو 1000 نسمة، في حين يقدر عدد سكان خربة مسعود بحوالي 350 نسمة، وتضم الخربة 3 تجمعات سكانية صغيرة تتبع إداريا لمجلس قروي زبدة جنوب غرب جنين، وتترابط أراضيها مع أراضي قرية ظهر العبد التي يمتلك أهالي ظهر العبد معظمها.

ويرى محللون أن إعادة بناء وتوسيع المستوطنات في محافظة جنين، والتي تعتبر الأقل في الضفة من حيث وجود المستوطنات، لم تكن حدثا عرضيا، بل جاءت بعد جهود لإلغاء قانون فك الارتباط والانفصال عن المستوطنات المحيطة بجنين عام 2005، بالتوازي مع بناء “السور الحديدي” في المخيم منذ 7 أشهر، مما سيضع المحافظة أمام واقع جديد يجمع بين الضغط الأمني والاستيطان.

ويشير الخبير بالشؤون الإسرائيلية ياسر مناع إلى أن بناء وتوسعة 22 مستوطنة في الضفة الغربية ليس مجرد توسع جغرافي، بل هو أداة سياسية وأمنية لترسيخ ضم الأراضي التدريجي.

ويضيف مناع -في حديثه للجزيرة نت- أن إسرائيل تمتلك هامشا واسعا لفرض وقائع جديدة على الأرض “وهذا يتماشى مع قرارات الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بالضفة، ويوفر غطاء قانونيا داخلياً لاستمرار المصادرات والتوسع”.

وبيّن أن النجاح الإسرائيلي ليس حتميا، لكنه مرجّح طالما أن مبدأ “الأمن عبر الاستيطان” هو البوصلة، وما دام الفلسطينيون يواجهون المخططات بشكل فردي دون دعم رسمي أو دولي فعّال.

شاركها.
اترك تعليقاً