اعتمدت الحكومة الإيرانية مؤخرا حذف 4 أصفار من قيمة عملتها المحلية (الريال)، وذلك بعد أن أقر برلمانها قانونا بهذا الأمر. ويأتي هذا القرار وسط أزمة اقتصادية حادة تعانيها البلاد جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي، بسبب البرنامج النووي الإيراني.

وقد أوردت الحكومة الإيرانية في بيانها بهذا الشأن، أنه سيكون هناك فترة انتقالية بوجود طبعتين من العملة المحلية، إحداهما الحديثة والتي ستكون قيمة الريال منها تعادل 10 آلاف ريال من العملة القديمة، في حين ستستمر العملة القديمة في التداول بالسوق لحين سحبها تدريجيا من السوق.

ومما عانت منه إيران خلال السنوات الماضية، ارتفاع التضخم بمعدلات كبيرة، ووجود سوق سوداء لسعر الصرف، ففي ظل الأزمات، يتجه الأفراد للعمل على تقليل خسائرهم قدر المستطاع، ويهربون من انخفاض قيمة العملة الوطنية إلى الاحتفاظ بمدخراتهم بالعملات الأجنبية أو الذهب أو شراء الأصول.

بينما تتجه الحكومات، إلى محاولة إحكام قبضتها على سوق الصرف والتحكم في قيمة العملة، بل وفي حركة النقود داخليا وخارجيا، ولكن هذا الأمر عادة ما يأتي على حساب الأفراد.

ولا تعد إيران هي الدولة الأولى أو الوحيدة، التي قامت بحذف بعض الأصفار من عملتها، فقد سبقتها دول عدة، منها على سبيل المثال تركيا، التي حذفت 6 أصفار من عملتها في 2005. كما أن إيران ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من انخفاض قيمة عملتها أمام العملات الأجنبية بشكل كبير، فالأزمة الأضخم في هذا الإطار، تخص فنزويلا، وكذلك أفغانستان.

وبعد دخول قرار الحكومة الإيرانية حيز التنفيذ مؤخرا، ما انعكاساته على الحياة الاقتصادية هناك؟ وما إيجابيات وسلبيات هذا القرار؟

لمزيد من الإيضاح حول هذه الخطوة في إيران، نطرح مجموعة من الأسئلة والإجابة عليها، لنتيح للقارئ أكبر قدر ممكن من المعرفة الخاصة بهذه المسألة.

متى تدهورت قيمة العملة الإيرانية؟

إبان قيام الثورة الإسلامية في إيران 1979، كان سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية “الريال” 70.4 ريالا، إلا أنه في عام 1990 تحسن سعر صرف الريال ليصل إلى 65.5 ريالا للدولار الواحد، ويرجع ذلك لتخفيف حدة التوترات السياسية، بعد التوصل لوقف الحرب الإيرانية العراقية.

وأرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، التي تم الرجوع إليها لرصد حركة سعر صرف الريال الإيراني خلال الفترة 1979 – 2023، توضح أن سعر صرف الدولار في عام 2000 بلغ 1753 ريالا، وفي عام 2010 بلغ 10254، وفي عام 2023 بلغ 42000 ريالا.

في حين أن الأسعار في السوق السوداء كانت تحلق في آفاق أعلى بكثير عن السعر الرسمي، قدرت في عام 2024 بنحو 148 ألف ريال لكل دولار أميركي، وقد تم تجاوز هذه المستويات في ظلال الإعلان عن تداعيات تدهور العلاقات الأميركية الإيرانية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أمر مهم، وهو أنه مع زيادة حدة أزمة العقوبات الاقتصادية على إيران، تراجعت قيمة عملتها بشكل كبير، نظرا لاعتماد الاقتصاد الإيراني على الخارج في سلع إستراتيجية على رأسها المعدات والآلات ووسائل الانتقال، والتكنولوجيا.

وكان لارتفاع معدلات التضخم في إيران العامل الأكبر في انخفاض قيمة عملتها، ففي حين أعلن عن معدل تضخم بـ32.5% في عام 2024، فإنه كان في عام 2023 بحدود 43.5%، وهي أرقام حكومية، قد تكون أقل من الواقع الحقيقي لمستوى المعيشة في إيران، ويدلل على ذلك المظاهرات التي خرجت غير مرة في السنوات السابقة، منذ عام 2019 وحتى فترة قريبة، تعترض على السياسات الاقتصادية، وسوء مستوى الدخل والمعيشة.

كيف يحدد سعر الصرف في إيران؟

تحديد قيمة سعر الصرف لأي عملة، لا تحكمه آلية واحدة، فهناك دول تتبع سعر الصرف الحر، الذي تحكمه قواعد العرض والطلب، كما هو الحال في شأن العملات الدولية الرئيسة (الدولار، اليورو، الين الياباني، الجنيه الإسترليني، الدولار الكندي، الدولار الأسترالي، اليوان الصيني).

وهناك دول تتبع آلية التسعير الإداري، بأن تحدد قيمة عملتها أمام العملات الأجنبية  بقرار إداري من السلطة النقدية، وفق ما تراه من سعر توازني يحقق مصالحها الاقتصادية، وهو الواقع الموجود في دول الخليج العربي، وكثير من الدول النامية.

وهناك ما يعرف بسعر الصرف المدار، بحيث تتحكم السلطة النقدية في سعر الصرف صعودا وهبوطا، كلما اقتضت الحاجة، وبما لا يحدث أزمات في توفير النقد الأجنبي، أو يحدث خللا في الأداء الاقتصادي من وجهة نظر السلطة النقدية. وعادة ما يكون هذا الأمر في الدول التي تتبع ما يعرف بحماية سعر الصرف، وإذا تم التوسع في آلية “حماية سعر الصرف” فإن الثمن، هو تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بالبنوك المركزية.

وبالنسبة لإيران، فإنه يتم تحديد سعر الصرف، وفق قرار إداري، وبخاصة أن البلاد تعيش أزمة منذ فترة طويلة، بسبب العقوبات الاقتصادية، التي زادت في عام 2012، وتفاقمت أكثر بعد عام 2018، بعد انحساب أميركا من مفاوضات (5+1) الخاصة ببرنامج إيران النووي.

A money changer poses for the camera with a U.S hundred dollar bill (R) and the amount being given when converting it into Iranian rials (L), at a currency exchange shop in Tehran's business district, Iran, January 20, 2016. REUTERS/Raheb Homavandi/TIMA ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. FOR EDITORIAL USE ONLY.

لماذا اقتصر الحذف على الأصفار الأربعة؟

كما ذكرنا أن سعر الصرف في إيران، يتم تحديده وفق قرار إداري من السلطة النقدية (البنك المركزي)، وبالتالي فهو لا يخضع لقاعدة علمية معينة، أو قواعد العرض والطلب، ليكون سعر الصرف حرا، بل يخضع لما تراه السلطة النقدية في صالح تحقيق التوازن الاقتصادي للبلاد.

والقاعدة التي يمكن القياس عليها في تحديد قيمة العملة لأي بلد، هي ما تمتلكه من ثروات، وما تحقق من أداء في الناتج المحلي، وكذلك ما يتوفر لديها من ذهب ونقد أجنبي. ولكن الظروف التي تمر بها إيران استثنائية، لا تتناسب مع ما تملكه من مقدرات اقتصادية معتبرة، فهي تعيش تحت سقف العقوبات.

وسواء زاد عدد الأصفار المحذوفة عن أربعة، أو قل عن ذلك، فهو لا يعبر عن واقع اقتصادي ومالي حقيقي، بقدر ما يعبر عن رغبة إدارية، تحاول حل مشكلات حسابية ومحاسبية، تتعلق بمشكلات انخفاض قيمة عملتها.

ما الإيجابيات والسلبيات لقرار حذف الأصفار الأربعة؟

تدني قيمة العملة المحلية بشكل كبير، يعقد أمور النشاط الاقتصادي، في تدول العملة، وفي إجراء العمليات المحاسبية، وبخاصة في ظل مجتمع يعتمد على التداول الورقي بشكل كبير، ويؤدي تدني قيمة العملة المحلية إلى زهد الأفراد في امتلاكها، فحملها والاحتفاظ بها تكلفة وعبء، ولذلك يتجه الناس في مثل هذه الحالة، التي تشهدها إيران منذ فترة إلى العملات الأجنبية أو الذهب، أو امتلاك الأصول.

ولعل من أبرز الإيجابيات التي يمكن تحقيقها من حذف الأصفار من الريال الإيراني، وبعد الحصول على العملة الجديدة، واستبدال القديمة، هو الوقوف على حجم الثروات الحقيقية لدى الأفراد، ومعرفة أصحاب الثروات المختلفة، كما يساعد في تحسين العوائد الضريبية في ظل الكشف عن الحجم الحقيقي للثروات، سواء بالنسبة للأفراد، أو المؤسسات.

ويُعتقد أن الإيجابية الأكبر في حذف الأصفار في أي عملة محلية، لم تتحقق في الحالة الإيرانية، لأن الاقتصاد الإيراني لم يشهد أي أداء إيجابي خلال المرحلة السابقة، بل بالعكس يعاني من أزمة حادة بسبب العقوبات الاقتصادية، والتي يتوقع لها أن تزداد خلال الفترة القادمة، ما لم تصل إيران إلى تفاهمات مع أميركا والاتحاد الأوروبي بشأن برنامجها النووي.

هل الأمر انعكاس لتحسن اقتصادي بإيران؟

الاقتصاد الإيراني يصنَف على أنه، اقتصاد متنوع، يجمع بين أنشطة اقتصادية متعددة، منها الصناعي والزراعي والخدمي، فضلا عن امتلاك إيران ثروة كبيرة من النفط والغاز وتُعد صاحبة أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط، ولديها مقومات سياحية ضخمة.

وتعاني إيران من أداء غير طبيعي للصادرات والواردات، بسبب العقوبات، فالأرقام الخاصة بالبنك الدولي تظهر أن صادرات إيران السلعية في عام 2024 بلغت 105 مليارات دولار، بينما وارداتها السلعية بلغت 65.5 مليار دولار.

FILE - In this Thursday, Oct. 30, 2008 file photo, an Iranian money changer holds currency with Ayatollah Ruhollah Khomeini's image in Tehran, Iran. Iran's currency has hit a new record low to the U.S. dollar, two days after President Barack Obama signed a bill applying penalties against Iran's central bank as the West looks to pressure Tehran over its nuclear program. State radio said the exchange rate hovered around 16,800 riyals to the dollar, marking a roughly 10 percent slide compared to Thursday's rate of 15,200 riyals to the dollar.

ولا يعكس هذا الفائض التجاري ميزة، بقدر ما يظهر عجزا في الأداء الاقتصادي الإيراني، فالصناعة الإيرانية تعاني من نقص في العدد والآلات، كما تعاني من التخلف التكنولوجي أما حقول النفط والغاز فتعاني من تهالك الآلات والمعدات، ونفس الشيء بالنسبة لقطاع الطيران في إيران، فهو يعجز عن تجديد طائراته، فضلا عن مشكلات كبيرة تتعلق بنقص قطع الغيار.

وبالتالي فميزان التجارة السلعية في إيران، لا يعبر عن أداء طبيعي، ولقد رأينا في مطلع عام 2017، حين أُعلن عن رفع مبدئي للعقوبات الاقتصادية عن إيران، في ظل عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فقد سعت إيران لتوقيع اتفاقيات تفاهم مع العديد من الدول الأوربية وأميركا تصل لمئات المليارات من الدولارات، وتعلقت الآمال بانتعاش قطاع السياحة الإيرانية، ولكن حال دون ذلك قرار ترامب بالانسحاب من التفاوض مع إيران عام 2018.

كيف تحمي إيران قرار حذف الأصفار الأربعة؟

علينا أن نسلم بأن إيران تعيش أوضاعا غير طبيعية، وستظل الأمور الخاصة بالجوانب المالية والنقدية غير مستقرة، ما دامت حالة التوتر هذه مستمرة. وإذا أرادت إيران أن تحافظ على قرارها بحذف الأصفار من قيمة عملتها المحلية، وأن يكون هناك تحسن حقيقي في قيمتها فعليها أن تتبع الآتي:

  • أولا، العمل على سد العجز في احتياجاتها من الخارج، لتقليص العجز المالي، وانخفاض معدلات التضخم، لتكون أقل من 10%. كما أن عليها أن تزيد من القيمة المضافة لناتجها المحلي، والتخلي عن الاقتصاد الريعي الذي يعتمد بشكل رئيس على عوائد النفط، والموارد الطبيعية من الزراعة والصناعات الاستخراجية.
  • والأكثر أهمية أن تخرج من تحت مظلة العقوبات الاقتصادية، التي تنهك اقتصادها منذ سنوات، وأن تعود لساحة الاقتصاد العالمي، وسط أداء طبيعي، يختبر قدرتها على الاندماج، ويضعها في مضمار التنافسية الدولية.
شاركها.
اترك تعليقاً