في خطوة تنذر بتصعيد خطير، وافق المجلس الوزاري الأمني في إسرائيل اليوم الجمعة على خطة لاحتلال كامل قطاع غزة، تبدأ بالسيطرة على مدينة غزة وترحيل سكانها قسرا، وسط تحذيرات خبراء من خطورة القرار بحسب صحف عالمية.

واستعرضت وسائل إعلام بريطانية وأميركية في تقارير لها ملامح خطة الاحتلال المرتقبة، وأبعادها الإنسانية والسياسية والعسكرية، وردود الفعل المتباينة حولها.

ونقلت صحيفة آي بيبر البريطانية عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن الخطة تشتمل على مبادئ لإنهاء الحرب وتقديم “مساعدات إنسانية” خارج مناطق القتال، وتسليم قطاع غزة إلى إدارة مدنية، دون نية إسرائيلية للبقاء كقوة حاكمة، على حد تعبير الصحيفة.

سيطرة تدريجية

وتبدأ الخطة بالسيطرة على مدينة غزة نفسها، وفق الصحيفة، وطرد سكانها بالقوة نحو الجنوب، وتحديدا إلى منطقة المواصي الساحلية، على أن تتولى الولايات المتحدة، -بحسب القناة 12- تقديم دعم “لوجبستي وإنساني” عبر بنية تحتية مدنية مؤقتة. وقدّر مراقبون أن السيطرة على المدينة والمناطق المركزية ستستغرق نحو 5 أشهر.

خطوة خطيرة

وبينما يروّج نتنياهو للخطة على أنها ضرورية لاجتثاث حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وضمان أمن إسرائيل، يؤكد خبراء ومراقبون -حسب آي بيبر- أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى موجة تهجير جديدة، وتفاقم أزمة المجاعة الحادة التي تضرب القطاع، فضلا عن تعريض حياة الأسرى المتبقين للخطر.

وبدورها نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن مصادر مطلعة على تفاصيل اجتماع المجلس الوزاري، أنه من المتوقع أن تستغرق عملية إجلاء سكان مدينة غزة إلى مناطق بديلة نحو شهرين.

وقال الغزي آدم أحمد سالم (35 عاما) للصحيفة، وهو أب لـ3 أطفال عاد إلى مدينة غزة بعد نزوحه إلى الجنوب في بداية الحرب: “لا أفهم إلى أين يريدون أن يطردونا؟ غزة صغيرة جدا”، مضيفا أن الحياة بهذا الشكل “صعبة للغاية”.

في حين أشار محمد سعيد مرتجى، مريض سرطان يبلغ من العمر 52 عاما وأب لـ4 أبناء من مدينة غزة، إلى أنه “يتوقع الأسوأ من الخطة”، وأنه بدأ بالفعل الاستعدادات للانتقال قبل صدور الأمر الرسمي بالتهجير.

وأوضح الخبير العسكري أهرون برغمان من جامعة كينغز كوليدج لندن لصحيفة آي بيبر، أن الخطة ستؤدي إلى المزيد من التهجير، في ظل نزوح حوالي 90% من سكان غزة بالفعل، مضيفا أن أي احتلال كامل سيُعقّد إيصال المساعدات، مع تحويل القطاع إلى منطقة حرب.

وقال إن “الجيش مرهق تماما، من حيث المعدات والجنود. ولاحتلال الـ25% المتبقية من قطاع غزة، سيتطلب الأمر تعبئة قوات الاحتياط، وهم الآن في حالة إنهاك تام”.

وأضاف أن في قطاع غزة الآن نحو 4 فرق عسكرية، بينما تحتاج إسرائيل لاحتلال القطاع بالكامل 6 فرق على الأقل.

ومن جهته، حذر روبرت غايست بينفولد -محاضر في الأمن الدولي بجامعة كينغز كوليدج لندن- من أن توسع الاحتلال سيفاقم المجاعة، في ظل تمركز 80% من سكان غزة في 20% فقط من المساحة، وهذا ينذر بارتفاع عدد الوفيات بسبب الجوع وسوء التغذية، حسب آي بيبر.

وأفادت الصحيفة البريطانية أن خبراء يحذرون من أن العملية قد تهدد حياة الأسرى الباقين، نظرا لاحتمال مقتلهم بنيران صديقة أو إعدامهم من قبل آسريهم حال اقتراب القوات الإسرائيلية.

كما تواجه الخطة معارضة من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه، إذ يرى رئيس الأركان إيال زامير أن القوات مرهقة وتفتقر للعتاد والجنود اللازمين، ويتطلب تنفيذ الخطة تعبئة واسعة للاحتياط، وسط رفض شعبي متزايد لاستمرار الحرب.

ولكن يشير محللون -وفق تحليل آي بيبر- إلى أن متطرفين داخل الحكومة الإسرائيلية، على رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يدفعون باتجاه تحويل الاحتلال المؤقت إلى دائم، وتهجير الفلسطينيين من غزة لإفساح المجال لإعادة استيطانها من قبل الإسرائيليين.

مظاهرات جديدة في المدن الغربية نصرة لغزة

وترى الباحثة بورجو أوزجيليك من المعهد الملكي للخدمات المتحدة -وهو مركز أبحاث متخصص في الدراسات الأمنية والدفاعية- أن الاحتلال الكامل سيشكل مرحلة قاتمة في الحرب، مع تداعيات إقليمية ودولية واسعة، وقد يفضي ذلك إلى تقويض فرص حل الدولتين نهائيا، حسب تقرير آي بيبر.

كما توقع برغمان أن تؤدي الخطوة إلى مزيد من العزلة الدولية لإسرائيل، وربما تدفع دولا مترددة نحو الاعتراف بدولة فلسطين، على غرار ما لوحت به بريطانيا.

وبدوره، يعتقد البروفيسور يوسي ميكلبرغ، الزميل في مركز تشاتام هاوس في لندن، أن الخطة الجديدة قد تمثل استهلالا لـ”أكثر نسخة تطرفا” من أهداف إسرائيل في الحرب على غزة، تحت تأثير القوميين المتطرفين.

خطة نتنياهو الجديدة قد تمثل استهلالا لأكثر نسخة تطرفا من أهداف إسرائيل في الحرب على غزة

بواسطة البروفيسور يوسي ميكلبرغ

ولفتت نيويورك تايمز في تقرير إلى أن القرار الإسرائيلي يأتي في ظل سخط عالمي متزايد من صور المجاعة والدمار في غزة، والسياسات الإسرائيلية المتعلقة بإيصال المساعدات.

ويقول مخلص المصري (34 عاما) للصحيفة، وقد أجبر على ترك منزله في شمال غزة: “يتحدثون عن احتلال مناطق مكتظة بالناس، إذا حدث ذلك، سيكون هناك قتل لا يمكن تقديره. الوضع سيكون أكثر خطورة مما يمكن لأي أحد تخيله”.

وأضاف أن قصف مدرسة تحولت إلى ملجأ في خان يونس أسفر عن مقتل عدد من أقاربه، مشيرا إلى أن عائلته تعيش حالة من الرعب، ومن المتوقع أن تفاقم خطة نتنياهو هذه المعاناة في القطاع ككل.

المصدر: الصحافة البريطانية + نيويورك تايمز + واشنطن بوست

شاركها.
اترك تعليقاً