إلى ما بعد منتصف الليلة الماضية ظلّ المستوطنون يجوبون أزقة البلدة القديمة في القدس المحتلة بهدف أداء الصلوات والرقصات التوراتية أمام أبواب المسجد الأقصى من الخارج، وأشرقت شمس صباح اليوم مع مواصلة الاستفزازات واقتحام جماعي لساحات المسجد المبارك إحياء لما تسمى ذكرى “خراب الهيكل”.

وأغلق باب المغاربة، في الجدار الغربي من المسجد الأقصى، اليوم بعد اقتحام 3969 مستوطنا ومستوطنة، مقارنة بـ2958 اقتحموه في ذات المناسبة من العام الماضي، و2180 عام 2023 وفقا لإحصائيات دائرة الأوقاف الإسلامية في المدينة المقدسة، ويعد هذا الاقتحام هو الأكبر منذ احتلال المسجد الأقصى.

وسمحت شرطة الاحتلال بوجود 6 أفواج من المتطرفين داخل المسجد الأقصى دفعة واحدة، إذ أدخلت من باب المغاربة فوجا يضم عشرات المستوطنين كل 10 دقائق، ونُصبت لهؤلاء المظلات أمام باب المغاربة من الخارج لحمايتهم من أشعة الشمس خلال انتظارهم بالطوابير، ووفرت لهم الجماعات المتطرفة المواصلات المجانية ومرشدين رافقوهم خلال الاقتحام.

انتهاكات غير مسبوقة

ومع أفواج الاقتحامات الأولى، سُجل عدد من الانتهاكات التي كان أبرزها أداء صلاة “بركات الكهنة” (صلاة توراتية خاصة يقوم الحاخام خلالها بمرافقة تلاميذه ويرفعون فيها أيديهم ويبسطونها فوق رؤوسهم، مع تلاوة فقرات من “سِفر العدد” في التوراة) جماعيا في الساحات الشرقية من المسجد الأقصى.

وشهدت ساحات الأقصى أيضا أداء طقس “السجود الملحمي” (الانبطاح الكامل واستواء الجسد على الأرض ببسط اليدين والقدمين والوجه بالكامل) جماعيا.

وبجوار المصلى القبلي أدى عشرات المتطرفين صلاة “الشماع” (إحدى أهم الصلوات عند اليهود، وتعدّ أساس التوحيد وقبول الوصايا العشر بالتوراة، ويجب أن تؤدى قبل النوم وعند الاستيقاظ ومع صلاة الصباح، وفيها يغطي المصلي وجهه أثناء التلاوة ويحاول الخشوع والسجود).

كما وثق مقطع فيديو محاولة مستوطن إدخال “تابوت العهد” المقدس بالديانة اليهودية “وكان يضم ألواح الوصايا العشر التي تلقاها موسى ﷺ من الله، وحُفظ في “قدس الأقداس” داخل الهيكل” وفق المعتقد اليهودي، ومن هنا جاء الحرص على محاولة إدخاله اليوم.

وكان رفع العلم وترديد النشيد الإسرائيلي (هاتيكفا) والانبطاح أمام السلالم المؤدية لصحن مصلى قبة الصخرة المشرفة من جهة (البائكة الغربية) من بين الانتهاكات التي رصدتها الجزيرة نت اليوم، وأُضيف إليها الرقص والتصفيق والصراخ مترافقا مع ترديد أغنية “سيُبنى الهيكل”.

بن غفير في مقدمة المقتحمين

وكان من أبرز المقتحمين للمسجد الأقصى صباح اليوم وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي يقْدم على هذا الانتهاك للمرة الثامنة منذ اندلاع الحرب الحالية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأدى صلاة علنية في الساحات، وحرص على تلاوتها من هاتفه. كما اقتحم الساحات أيضا عضوا الكنيست (البرلمان) عن حزب الليكود عميت هليفي وشارين هاسكل، ووزير “تطوير النقب والجليل” يتسحاق فاسرلاوف.

وجاء على الموقع الإلكتروني للقناة الإسرائيلية السابعة أن بن غفير تطرق خلال اقتحامه للمسجد الأقصى إلى مقطع الفيديو الذي بثته كتائب القسام لأسير إسرائيلي ظهرت عليه علامات سوء التغذية، وقال في رسالته “تأتي مقاطع الفيديو المرعبة التي نشرتها حماس على خلفية شيء واحد هو محاولتهم ممارسة الضغط على دولة إسرائيل”.

وأضاف “أقول هذا تحديدا من هنا، حيث أثبتنا أن السيادة والحكم ممكنين.. علينا أن ننقل رسالة أن نضمن احتلال قطاع غزة بأكمله، وإعلان السيادة عليه، وطرد كل عضو في حماس، وتشجيع الهجرة الطوعية. وبهذه الطريقة فقط سنعيد المخطوفين وننتصر في الحرب.”

سيطرة كاملة على الأقصى

وتحدث الوفد المرافق للوزير بن غفير عن التسهيلات التي أُتيحت للمستوطنين في الأقصى، مشيرين إلى أن “هذا تغيير هائل لم يحدث منذ ألف عام.. سياسة وزير الأمن القومي هي السماح بحرية العبادة لليهود في كل مكان، بما في ذلك جبل الهيكل، وسيواصل اليهود ذلك في المستقبل”.

وأضاف أحد المرافقين أن “جبل الهيكل منطقة ذات سيادة في عاصمة دولة إسرائيل، ولا يوجد قانون يسمح بالتمييز العنصري ضد اليهود فيه، أو في أي مكان آخر في إسرائيل”.

واستُبقت كل هذه الانتهاكات داخل المسجد الشريف بتضييقات شديدة على المصلين أمام أبواب البلدة القديمة، وتكدس عشرات المصلين أمام باب العمود خلف السواتر الحديدية التي نصبتها قوات الاحتلال في ساحته، ومُنعوا من الدخول إلى البلدة القديمة.

وأمام الأقصى المبارك، منعت الشرطة المتمركزة على الأبواب المصلين من اجتياز حواجزها نحو الساحات، وأُخرج من المسجد الشريف شاب صرخ في وجه المقتحمين بالقوة، كما أخُرجت مجموعة من الفتيات اللواتي نجحن بالدخول إلى أولى القبلتين.

ذكرى “خراب الهيكل”

يذكر أن اليهود يعتقدون أن يوم “خراب الهيكل” هو ذكرى حزن وحداد على ما يسمونه تدمير “الهيكلين” الأول والثاني، ويدّعون أن البابليين دمروا “الهيكل الأول” عام 586 قبل الميلاد، وأن الرومان دمروا “الهيكل الثاني” عام 70 للميلاد، وبالتالي يجب تلاوة نصوص من “سِفر المراثي” يوم التاسع من أغسطس/آب حسب التقويم العبري من كل عام داخل الكنس.

وتتناول هذه المرويات “احتلال البابليين للقدس وتهجير اليهود من بلادهم إلى أرض بابل (جنوب العراق) حيث مكثوا 70 عاما حتى أذن لهم ملك فارس كورش بالعودة إلى القدس وإقامة الهيكل الثاني الذي دمره الرومان لاحقا”.

شاركها.
اترك تعليقاً