بقلم:&nbspمحمد نشبت&nbspمع&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

يشهد قطاع غزة، الذي يعاني أصلاً من ظروف إنسانية صعبة، تفاقماً خطيراً في أزمة المنظومة الصحية، وذلك مع انتشار ظاهرة بيع الأدوية على البسطات في الأسواق الشعبية. هذه الظاهرة، التي برزت بشكل لافت منذ اندلاع الحرب، تحولت إلى مصدر قلق كبير للمواطنين والخبراء على حد سواء، حيث تُباع العقاقير الطبية تحت ظروف غير صحية ودون أي رقابة، مما يعرض حياة المستهلكين لمخاطر صحية جسيمة.

انهيار البنية التحتية الصحية ونقص الإمدادات الطبية الحيوية قد دفع بالعديد من الأفراد إلى اللجوء إلى هذه الأسواق غير القانونية، في محاولة يائسة لتلبية احتياجاتهم الدوائية الأساسية، مما يفتح الباب أمام استغلال واسع النطاق لحاجتهم الماسة.

انهيار شبه كامل في قطاع الأدوية

وتُعد الأزمة الحالية في قطاع الأدوية بغزة انعكاساً مباشراً للانهيار الشامل الذي طال المنظومة الصحية بأكملها. فقد أعلن الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، عن نفاد 37% من الأدوية الأساسية، أي ما يعادل 229 صنفاً، بالإضافة إلى 59% من المستلزمات الطبية، بواقع 597 صنفاً. هذا النقص الحاد يعزى بشكل رئيسي إلى إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات الطبية الحيوية إلى القطاع. وتتصدر أدوية السرطان وأمراض الدم قائمة النقص بنسبة عجز بلغت 54%، تليها أدوية صحة الأم والطفل بنسبة 51%، والمطاعيم بنسبة 42%. كما بلغ العجز في أدوية الرعاية الصحية الأولية 40%، وأدوية الكلى والغسيل الدموي 25%، والصحة النفسية 24%، والجراحة والعناية الفائقة 23%.

وفي سياق متصل، كشف البرش عن شحّ غير مسبوق في المستهلكات الطبية الحيوية، حيث وصل عجز مستلزمات القسطرة القلبية والقلب المفتوح إلى 99%، وجراحة العظام 87%، وطب العيون 73%. كما اختفت 45% من مستلزمات غسيل الكلى و27% من تلك المخصصة للعمليات الجراحية. هذه الأرقام المفزعة تشير إلى أن ما تبقى من الأدوية والمستهلكات، والذي لا يتجاوز 9% و8% على التوالي، يكفي لفترات محدودة جداً، مما ينذر بتوقف كامل للخدمات الطبية الحرجة، بما في ذلك علاج السرطان والعمليات الجراحية وإدارة حالات الطوارئ، وهو ما يضع حياة الآلاف من المرضى على المحك.

سوق الأدوية الموازية في غزة

في ظل النقص الحاد في الأدوية بالصيدليات الرسمية نتيجة لإغلاق المعابر من قبل الجيش الإسرائيلي، شهدت أسواق غزة انتشاراً واسعاً لظاهرة بيع الأدوية على البسطات بشكل غير قانوني. وقد واجه الفريق الصحفي الذي حاول توثيق هذه الظاهرة رفضاً قاطعاً من البائعين للتصوير أو الكشف عن هوياتهم، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بالعنف في بعض الحالات. يكشف أحد البائعين، الذي فضل الإشارة إليه بحرفي “م.ن”، عن أن مجموعته تقوم بسرقة الأدوية من المراكز الطبية، مشيراً إلى حادثة سطو حديثة على المستشفى الأمريكي في دير البلح قبل شهرين، ومؤكداً تركيزهم على المسكنات القوية التي تُباع بأسعار مضاعفة.

من جهة أخرى، يروي المواطن “خ.س” معاناته واضطراره لشراء مراهم من البسطات لعلاج التهابات أصابت ابنته، بعد تعذر العثور عليها في الصيدليات، معرباً عن استعداده للسفر للخارج لتلقي العلاج برفقة ابنته. وفي مشهد مماثل، يبحث محمود المصري عن دواء للربو بعد نفاد الكمية التي كان يستخدمها، ويعترف بأنه يشتري هذه الأدوية من بائعين لا يمتلكون أي خلفية طبية ويقدمون نصائح عشوائية قد تعرض المرضى للخطر.

ويشير المصري إلى أن الظروف المعيشية الصعبة في غزة، من تلوث المياه والهواء وفساد المواد الغذائية، جعلت من مسألة تخزين الأدوية بشكل غير صحيح أمراً ثانوياً بالنسبة للمواطنين، على الرغم من المخاطر الجسيمة التي قد تنتج عن استخدام أدوية مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية.

صيادلة يحذرون من مخاطر أدوية البسطات

يُطلق الصيادلة في قطاع غزة تحذيرات شديدة من تفاقم ظاهرة بيع الأدوية على البسطات، مؤكدين أنها تشكل خطراً داهماً على صحة المواطنين. يوضح الصيدلاني خالد العزايزة أن هذه الظاهرة بدأت مع الحرب وتفاقمت خلال الهدنة الأولى في يناير الماضي. ويشير إلى أن نقص المستودعات الطبية بسبب الاستهداف أو السرقة دفع حتى الصيادلة أنفسهم للجوء إلى هذه السوق غير القانونية لتغطية النقص داخل الصيدليات. ويلفت العزايزة إلى أن المرضى المزمنين هم الأقل تضرراً نسبياً لأنهم يعرفون أدويتهم جيداً، بينما يعاني مرضى الحالات الطارئة من غياب التوجيه الطبي الصحيح.

من جانبه، يكشف الصيدلاني محمد المنيفي عن معاناته اليومية في محاولة توجيه المرضى بعيداً عن هذه البسطات، مشيراً إلى تواتر حالات شراء أدوية غير مناسبة أو منتهية الصلاحية. ويعزو المنيفي إقبال المواطنين على هذه الأسواق إلى توفر بعض الأدوية النادرة وأسعارها المنخفضة نسبياً، محذراً من خطورة اتباع نظام “العلاج الموحد” الذي يهمل خصوصية كل حالة مرضية.

ويؤكد المنيفي أن معظم الأدوية قد نفدت من الصيدليات في غزة، ولم يعد بالإمكان تلبية احتياجات المرضى، خصوصاً من يعانون من أمراض مزمنة ومضاعفات صحية خطيرة. ويوضح أن أدوية السكري باتت غير صالحة للاستخدام بسبب انقطاع الكهرباء، إذ تتطلب حفظها في درجات حرارة منخفضة، في حين تُعد حقن الأنسولين شحيحة للغاية، ما دفع بعض المرضى لاستخدام الحقنة نفسها لأكثر من مرة رغم خطورة ذلك.

بدوره، يكشف الصيدلاني محمد شكري عن جانب مظلم لهذه التجارة، مؤكداً أن العديد من هذه البسطات تبيع في الأصل مواد مخدرة وتستخدم سوق الأدوية كغطاء لها. ويؤكد أن معظم هذه الأدوية مسروقة إما من مستودعات طبية أو من شاحنات الإغاثة التابعة لوزارة الصحة، مطالباً بتحرك عاجل من الجهات المختصة لوقف هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد حياة المواطنين وتقوض النظام الصحي المنهك أصلاً.

وزارة الصحة بغزة تحذر من شراء الأدوية من البسطات غير المرخصة

وفي خطوة تهدف إلى حماية صحة المواطنين، حذرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة من شراء الأدوية من البسطات والأكشاك العشوائية المنتشرة في الأسواق والطرقات، مؤكدة أن ذلك يشكل خطرًا حقيقيًا على صحة وحياة المواطنين. وأوضحت الوزارة في بيان صحفي أن معظم الباعة في هذه المواقع غير حاصلين على تراخيص من الجهات المختصة، مما يؤدي إلى تداول أدوية بوصفات خاطئة قد تتسبب في مضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى الوفاة.

وأشارت الوزارة إلى أن الأدوية المتوفرة في هذه النقاط تُعرض وتُخزن في ظروف غير مناسبة، وتحت أشعة الشمس المباشرة، مما يفقدها فعاليتها ويعرضها للتلف، فضلاً عن احتمالية تحولها إلى مواد ضارة بالصحة.

ودعت الوزارة المواطنين إلى الامتناع عن شراء الأدوية من هذه المواقع، والتوجه إلى الصيدليات الرسمية المرخصة، لضمان سلامة الدواء ومؤهلات العاملين فيه. ووفق إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي، يبلغ عدد المصابين بأمراض مزمنة في قطاع غزة نحو 350 ألف شخص.

شاركها.
اترك تعليقاً