بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

لم تكن الضربة الإيرانية على إسرائيل مجرد هجوم صاروخي آخر، بل كانت رسالة استراتيجية حملت في طياتها تحولاً جوهرياً في موازين القوى العسكرية بالمنطقة. استخدمت إيران فيها، وبشكل مباشر، صواريخ باليستية فرط صوتيه ومسيّرات انتحارية لضرب مواقع داخل العمق الإسرائيلي، مستهدفةً ليس فقط البنية التحتية، بل أيضاً القدرات الدفاعية الاستراتيجية التي كانت تُعتبر حصناً منيعاً.

ورغم إعلان إسرائيل عن “نجاح كبير” في التصدي للهجوم، فإن تسجيلات الواقع، والمشاهد التي ظهرت لبعض الانفجارات داخل الأراضي الإسرائيلية، فضلاً عن الإقرار غير المباشر بتجاوز بعض الصواريخ للدفاعات الجوّية ، كشفت عن ثغرات في النظام الدفاعي الذي يُعدّ من أكثر الأنظمة تطوراً في العالم: القبة الحديدية .

الهجوم الإيراني: بين الردع والاختبار

لم يكن الهجوم الإيراني اعتباطياً، بل كان محكوماً بقواعد استراتيجية واضحة:

  • إظهار القدرة على ضرب العمق الإسرائيلي مباشرة ، بعيداً عن الوكلاء الإقليميين.
  • اختبار فعالية المنظومة الدفاعية الإسرائيلية تحت ضغط عالٍ .
  • إيصال رسالة إلى إسرائيل والغرب بأن إيران لم تعد تقبل بالردع التقليدي .

هذا النوع من العمليات لا يُنفذ إلا بعد دراسة دقيقة لخصائص المنظومة الدفاعية المستهدفة، وتقييم نقاط الضعف المحتملة فيها، وهو ما فعلته إيران بدقة.

كيف تعمل “القبة الحديدية” ولماذا فشلت هذه المرة؟

“القبة الحديدية” هي منظومة دفاع صاروخية مصممة خصيصاً لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى (5-70 كم) والهاونات والمدفعية قبل أن تصل إلى الهدف. تعتمد على رادارات متقدمة لكشف الصواريخ، وتحديد مدى خطورتها، ثم إطلاق صاروخ اعتراضي لتصفيحها في الجو.

لكن هذا النظام، رغم تطوره***،*** ليس مخصصاً للتعامل مع الصواريخ الباليستية عالية السرعة التي تخرج خارج الغلاف الجوي. فالصواريخ الإيرانية، مثل “فاتح-313” و”قيام-1″، تتمتع بخصائص تقنية تجعلها صعبة الاعتراض:

  • سرعة تجاوز 12 ضعف سرعة الصوت
  • ارتفاع عالٍ جداً خارج الغلاف الجوي
  • زمن وصول قصير جداً (حوالي 12 دقيقة)
  • مسار غير خطي وصعب التنبؤ به

هذه الخصائص تحدّ من فعالية أنظمة مثل “القبة الحديدية”، خاصة إذا لم تكن متكاملة مع أنظمة دفاعية أعلى مستوى مثل “السهم” و”باتريوت”.

التكتيك الإيراني: الإغراق الناري المتزامن

العامل الحاسم في اختراق الدرع الإسرائيلي لم يكن فقط في تطور الصواريخ الإيرانية، بل في التكتيك العسكري الذكي الذي استخدمته طهران:

  • إطلاق عدد كبير من الصواريخ والمسيّرات في آن واحد ، مما شكل ضغطاً هائلاً على المنظومة الدفاعية.
  • اختيار وقت وتوقيت الهجوم بدقة ، بحيث يكون نظام الإنذار المبكر مشغولاً بأهداف متعددة.
  • دمج بين الصواريخ السريعة والمسيّرات البطيئة ، ليتم تشتيت الانتباه وتوزيع الموارد الدفاعية على عدة جبهات.

محدودية القدرة الدفاعية

الواقع أن لكل منظومة دفاع حدوداً لقدرتها، و”القبة الحديدية” ليست استثناءً:

  • كل بطارية منها تحتوي على 60 صاروخاً اعتراضياً كحد أقصى .
  • لدى إسرائيل حوالي 10 بطاريات من هذه المنظومة.
  • هذا يعني أنها قادرة فقط على التعامل مع عدد محدود من التهديدات في نفس اللحظة .

وبالتالي، حين يتم توجيه عشرات الصواريخ في وقت واحد ، فإن النظام الدفاعي يبدأ بالتخلف عن المعالجة الفورية، وتظهر الثغرات.

النتائج الاستراتيجية: هل تغيرت موازين القوة؟

النتيجة الأبرز من هذا الهجوم ليست فقط في عدد الصواريخ التي عبرت، بل في الرسالة السياسية والعسكرية التي وجهتها إيران:

  • ثبت أن إسرائيل ليست محصنة ضد الضربات المباشرة.
  • المنظومات الدفاعية ليست منيعة بالكامل أمام التكتيكات الحديثة.
  • الاعتماد على التكنولوجيا وحدها لم يعد ضماناً كاملاً.
  • الصواريخ الإيرانية أصبحت أكثر دقة وسرعاً وفعالية.

على الجانب الآخر، تعرضت إسرائيل لخيبة أمل نسبية، خاصة في الداخل، حيث بدأت تساؤلات تطرح حول جدوى الاستثمارات الكبيرة في المنظومات الدفاعية ، وما إذا كانت هذه الأنظمة قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.

بداية مرحلة جديدة في الحرب الدفاعية

ما حدث بين إسرائيل وإيران ليس نهاية المشوار، بل هو بداية مرحلة جديدة في مفهوم الحرب الدفاعية والهجومية في الشرق الأوسط. الأنظمة الدفاعية لن تكون مجدية بنفس الكفاءة إذا لم تُدعم بتكتيكات ذكية، وتطوير مستمر، وقدرة على مواجهة الإغراق الناري والتهديدات المتعددة المصادر.

وأهم درس يمكن استخلاصه هنا هو أن التوازن العسكري لم يعد يعتمد فقط على التفوق التكنولوجي، بل على الاستراتيجية، والكم، والتوقيت، والدقة.

شاركها.
اترك تعليقاً