اتهم الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان بشمال غزة، جيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام المستشفى كقاعدة عسكرية واعتقال معظم الموظفين أو طردهم من العمل، وتحدث عن الأهوال بالمستشفى التي يتعرض لها الأطباء والعاملون والمرضى من قِبل الجيش الإسرائيلي.

وتوسل الدكتور أبو صفية، الذي أُصيب بشظايا ناجمة عن غارة جوية إسرائيلية وخضع لعملية جراحية الشهر الماضي، للعالم أن يقدم المساعدة لهم، قائلا إن العقل البشري لا يستطيع تخيل كل هذا الموت وأجزاء الجسم والدم التي تحيط بالأطباء على مدار الساعة.

وأرسل أبو صفية، طبيب الأطفال والطبيب الرئيسي في غزة، لمنظمة ميدغلوبال الإنسانية رسائل صوتية ومرئية لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، تصف الوضع اليومي في المستشفى والصعوبات التي يواجهها هو وموظفوه الباقون خلال 6 أيام في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.

وفيما يلي مقتطفات من رسائله الصوتية والمرئية:

أنا واحد من آخر الأطباء في هذا المستشفى بغزة، أتوسل إلى العالم ليساعدنا.

مستشفى كمال عدوان في شمال غزة هو أحد المراكز القليلة المتبقية للخدمات الطبية في المنطقة، ومنذ أن بدأت حرب إسرائيل في غزة، كان المستشفى أيضا موقعا للصراع، واتهم الجيش الإسرائيلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باستخدام المستشفى كقاعدة، وداهمه مرارا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تضررت أجزاء من المرفق ودُمرت من الهجمات المباشرة وعمليات القصف التي وقعت في مكان قريب، وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتقل الجيش الإسرائيلي معظم الموظفين أو طردهم، ولا يزال هناك عدد قليل من الأطباء والممرضات، وهم يهتمون أحيانا بأكثر من 100 مريض.

اضطررتُ وأنا لستُ جراحا إلى إجراء عمليات جراحية للمرضى بسبب نقص الجراحين المدربين، وكان عليّ أن أقرر من يحصل على العلاج ومن لا يحصل عليه، بالنظر إلى الموارد المتضائلة المتاحة، وكان عليّ أيضا أن أتنقل في وضع متوتر مع القوات الإسرائيلية المحيطة، وأفعل كل هذا في حين كان الحزن يعتصر قلبي على ابني، الذي استُشهد في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي ودفن في أرض المستشفى.

30 أكتوبر/تشرين الأول

بالأمس، ولأول مرة في حياتي، دخلت غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية لمعدة طفل يبلغ من العمر 4 سنوات دُمر منزله بالقصف، وكان ينزف كثيرا من بطنه، لكنني تمكنت بطريقة ما من إجراء العملية، والحمد لله تم إنقاذ حياة ذلك الطفل.

نحن نعمل خارج مجالات تخصصنا لأنه لم يعد لدينا فريق جراحي مؤهل، وقد طالبنا العالم بالحماية لأكثر من 50 يوما ولكن للأسف لم يكن هناك رد. أنا متعجب من هذا العالم الذي يدعي أنه يؤمن بالإنسانية والديمقراطية لكنه لا يستجيب! ولا حتى منظمة الصحة العالمية لديها أي حماية هنا!

لا يستطيع العقل البشري تخيل كل الموت والدم والأشلاء التي تحيط بنا على مدار الساعة. لكن تظل مسؤوليتنا هي الاستمرار في تقديم الخدمات الإنسانية.

31 أكتوبر/تشرين الأول

الوضع كارثي للغاية.. اليوم تم ضرب المستشفى، وتسبب هذا الهجوم في إلحاق أضرار بالطابق الثالث ومخزن للسلع والإمدادات الطبية، وقد دُمرت خزانات المياه وحاويات الأكسجين المخصصة لوحدة غسيل الكلى، كما تضرر قسم الهندسة والصيانة، مما أدى إلى شلل في خدماتنا الصحية، وأصيب 4 من أفراد الطاقم الطبي أثناء محاولتهم إخماد الحريق، دون حماية وبدون مواد كافية لإطفاء النيران.. للأسف، عانوا من حروق بدرجات متفاوتة.

لا يزال لدي ما يقرب من 85 مريضا، 19 منهم من الأطفال، بينهم اثنان من الأطفال حديثي الولادة.. نحن الآن نحاول، مجرد محاولة، لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح. ونشاهد الجرحى يموتون واحدا تلو الآخر بسبب عدم وجود طاقم طبي مدرب بشكل كافٍ.

الأول من نوفمبر/تشرين الثاني

هذه أيام صعبة للغاية نمر بها الآن. لا يزال الحصار كاملا على كامل شمال قطاع غزة، وبالكاد يُسمح بدخول إمدادات طبية أو فرق إغاثة طبية قليلة جدا، ولا يزال هناك العشرات من المرضى في انتظار العمليات، بما في ذلك جراحة العظام والجراحة العامة للبالغين والأطفال، وجراحة إعادة بناء الحروق.

لم نعد قادرين على إعطاء الأولوية للحالات القادمة التي قد تتطلب عناية طبية فورية على الحالات الأخرى التي تصل على مدار الساعة بسبب الاعتداءات والتفجيرات الإسرائيلية في المنطقة، ومعظم الجرحى الذين يصلون إلى هنا يأتون سيرا على الأقدام، والبعض يأتون وهم ينزفون وفي حالة خطيرة للغاية.

مرة أخرى، نطلب من العالم بأسره والمجتمع الدولي توفير حماية حقيقية لنظام الرعاية الصحية.. يجب أن يكون هناك ممر إنساني آمن ومناسب لنظام الرعاية الصحية ويُسمح بدخول بفرق الإغاثة الطبية والضروريات الطبية.

3 نوفمبر/تشرين الثاني

طوال الليل، كانت هناك عمليات قصف وتفجيرات مستمرة للمباني المحيطة بالمستشفى، وقد تسببت الانفجارات في أضرار جسيمة، حتى أنها أثرت على المستشفى نفسه، كما تم تفجير معظم الأبواب، وتحطمت العديد من النوافذ، وغرس ذلك شعورا بالرعب والخوف في نفوس المرضى.

لم يحضر للمستشفى أي أطباء أو عاملين طبيين، وعند متابعة هذا الأمر علمنا أنه لم يسمح للعاملين المتخصصين بدخول شمال غزة، ولدينا حاليا 120 مريضا.

المرضى والأطفال يركضون وسط قصف المستشفى وخزانات المياه، هل يمكننا تخيل رؤية هذا المشهد في مستشفى بوسطن للأطفال أو مستشفى غريت أورموند ستريت بلندن أو مستشفى الأطفال الوطني في واشنطن؟

4 نوفمبر/تشرين الثاني

إنه اليوم 29 من الحصار على شمال قطاع غزة، وقد تعرض المستشفى أمس للهجوم في الوقت نفسه الذي كانت فيه منظمة الصحة العالمية هنا لإجلاء بعض المرضى، وقد سعى الناس للحماية بالاختباء أينما استطاعوا، ولم نتلقَّ أي تفسير بشأن ما حدث أو سبب حدوثه، وأسفر هذا الهجوم المؤسف عن عدد من الإصابات للمرضى، بمن فيهم النساء.

قبل قليل كنا في غرفة العمليات، وأجرينا عملية جراحية لفتاة تبلغ من العمر 13 عاما أصيبت بشظية في البطن خلال الهجوم الأخير، وكانت إصابتها خطيرة للغاية في المعدة، وإن شاء الله ستستقر حالتها في الساعات المقبلة.

تستمر أعداد كبيرة من الناس في التوافد إلى غرفة الطوارئ لتلقي الرعاية الطبية، لكن أولئك الذين لا يستطيعون الوصول مصيرهم مجهول، هناك أشخاص مدفونون تحت الأنقاض، ولا توجد أدوات لإزالة الأنقاض من أجل العثور عليهم.. الوضع مأساوي ويجد المرء صعوبة في وصف ما نعيشه.

6 نوفمبر/تشرين الثاني

ما زلنا محاصرين داخل المستشفى، وقد تم ضرب المستشفى لمدة 3 أيام متتالية، فقد كانت الهجمات مخيفة، وتم تدمير غرف التخزين والصيدلية.

للأسف، كان هذا هجوما شرسا أسفر عن إصابة العديد، بما في ذلك الأطفال الذين كانوا تحت التخدير لأنهم كانوا يخضعون لعمليات جراحية في ذلك الوقت، وأصيب عدد من العاملين الطبيين الذين كانوا يقدمون الرعاية في غرفة الطوارئ.

نشعر كما لو أن دول العالم تعيش في عالم مختلف عن الذي نحن فيه.. إننا نعاني وندفع ثمن الإبادة الجماعية التي تحدث لشعبنا هنا في شمال قطاع غزة.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الخليج مباشر. جميع حقوق النشر محفوظة. تصميم سواح سولوشنز.